وهم أكثر خَلْق الله تمييزاً للشعر من النثر، وخير مَنْ يفرق بين الأساليب وطرق الأداء، وقد تولى الله تعالى الردَّ عليهم، فقال:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ ... }[يس: ٦٩]
وفي سورة الحاقة، يقول سبحانه:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة: ٤١ - ٤٢]
فلما خابتْ كُلُّ هذه الحيل، وكذبتْ كل هذه الافتراءات قالوا: بل له شيطان يُعلِّمه، وكانوا يقولون ذلك للشاعر البليغ الذي لا يُشَقُّ له غبار في الفصاحة وحُسْن الأداء، حتى جعلوا لهؤلاء الجن مكاناً خاصاً بهم، فقالوا (وادي عبقر) ، وهو مسكن هؤلاء الجن الذي يُلْهِمون البشر ويُعلِّمونهم.
والشعر كلام موزون مُقفَّى، وله بحور معروفة، فهل القرآن على هذه الشاكلة؟ لا، إنما هو افتراء على رسول الله، كافترائهم عليه هنا:{أَمْ يَقُولُونَ افتراه. .}[السجدة: ٣]
فقوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ. .}[السجدة: ٣] أم تعني أن لها مقابلاً: يعني: أيقولون كذا؟ أم يقولون: افتراه، فماذا هذا المقابل؟ المقابل {تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين}[السجدة: ٢] فالمعنى: أيُصدِّقون بأن هذا الكتاب من عند رب العالمين، وأنه لا رَيْبَ فيه؟ أم يقولون افتراه محمد، فأَمْ هنا جاءت لتنقض ما يُفهَم من الكلام السابق عليها.
وقوله:{بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ. .}[السجدة: ٣] نعرف أن (بل) تأتي للاستدراك، لكنها هنا ليست للاستدراك، إنما لإبطال قولهم:{افتراه. .}[السجدة: ٣] كما لو قُلْت: زيد ليس عندي بل