المجرم ذليلاً إلى ما يستحق من العذاب، كأنْ ترى مجرماً مثلاً تسوقه الشرطة وهو مُكبِّل بالقيود يذوق الإهانة والمذلّة، فتشفى نفسك حين تراه ينال جزءاه بعد أنْ أتعب الدنيا وأداخ الناس.
وفي هذا المشهد يخاطب الحق سبحانه نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وهو أول مخاطب، ثم يصبح خطاباً لأمته:{وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ. .}[السجدة: ١٢] أي: حالة وجودهم أنهم ناكسو رءوسهم. وتقدير جواب الشرط: لرأيتَ أمراً عجيباً يشفى صدرك مما فعلوه بك.
ونلحظ في هذا الأسلوب دقة الأداء في قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى. .}[السجدة: ١٢] فلم يقل مثلاً: ولو تعلم؛ لأن إخبار الله كأنه رؤيا العين، فحين يخبرك الله بأمر، فاعلم أنه أصدق من عينك حين ترى؛ لأن عينك قد تخدعك، أما إخبار الله لك فهو الحق.
ومعنى {نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ. .}[السجدة: ١٢] النكس هو جَعْل الأعلى أسفل، والرأس دائماً في الإنسان أعلى شيء فيه.
وقد وردتْ هذه المادة في قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام حين حطم الأصنام، وعلَّق الفأس على كبيرهم:{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ}[الأنبياء: ٦٥]
فبعد أنْ عادوا إلى رشدهم واتهموا أنفسهم بالظلم انتكسوا وعادوا إلى باطلهم، فقالوا:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ}[الأنبياء: ٦٥]
وورد هذا اللفظ أيضاً في قوله تعالى:{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}[يس: ٦٨]