مرئية، وليكن ربك أوثق عندك من عينك، إنك قد لا ترى بالفعل هذا الأمر الذي يخبرك به الله، ولكن لأن القائل هو الله، ولا توجد قدرة تُخرج ما يقوله الله على غير ما يقوله الله. لذلك فقد قلنا ساعة يعبر الله عن الأمر المستقبل الذي سيأتي بعد، فإنه قد يعبر عنه بالماضي، فالحق قد قال:{أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النحل: ١] .
فهل ينسجم قوله:{أتى أَمْرُ الله} مع {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} ؟ إن الأمر الذي يخبرنا به الله قد أتى، فكيف يمكن عدم استعجاله؟ إن «أتى» معناها أن الأمر قد حصل قبل أن يتكلم. يجب علينا إذن أن نعرف أن الذي قال:«أتى» قادر على الإتيان به، فكأنه أمر واقع، إنها مسألة لا تحتاج إلى جدال؛ لأنه لا توجد قوة تستطيع أن نتازع الله لتبرز أمرا أراده في غير مراده. فكأن قوله الحق:{أَلَمْ تَرَ} إن كانت تحكى عن حدث فات زمنه فالذي يأتي منها هو العلم، لأنه إخبار الله، وإن كانت تحكى عن حدث معاصر فالذي يأتي منه أيضا هو العلم؛ لأنه صادر عن رؤية ومشاهدة.
وعندما يقول الحق:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} .
«وأوتوا» تلفتنا إلى قوم قد نزل إليهم منهج من أعلى. ولذلك يأتي في القرآن ذكر المنهج ب «نزل» و «أنزل» ، وذلك حتى نشعر بعلو المكانة التي نزل منها المنهج. وما هو النصيب؟ إننا نسمي النصيب «الحظ» ، أو خارج القسمة، كأن يكون عندنا عشرون دينارا، ونقسمهما على أربعة فيكون لكل واحد خمسة، هذه الخمسة الدنانير هي التي تسمى «نصيبا» أو «حظا» ، والنصيب:«حظ» أو «قسمة» يضاف لمن أخذه.
إذن، فلماذا يقول الحق:{الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} إنها لفتة جميلة، فالكتاب كله لم يبق لهم، إنما الذي وصل وانتهى إليهم جزء بسيط من الكتاب، فكأن هذه الكلمة تنبه الرسول والسامعين له أن يعذروا هؤلاء القوم حيث لم يصلهم من الكتاب إلا جزء يسير منه، إن نصيبا من الكتاب فقط هو الذي وصلهم.