أن المراد الجمع {أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات. .}[السجدة: ١٩] أي: العموم؛ لأنه أُخِذ مما كان مفرداً جمعاً، وهذا دليل على أن هذا المفرد في جنسه جمع كثير، كما في قوله تعالى {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ}[العصر: ١ - ٢] فالإنسان مفرد يُستثنى منه الجمع {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ... }[العصر: ٣] لأن لفظة الإنسان هنا تدل على الجماعة، و (ال) فيها ال الاستغراقية.
فالحق سبحانه ينقلنا من المؤمن إلى العموم {أَمَّا الذين آمَنُواْ. .}[السجدة: ١٩] ومن الفاسق إلى {وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ ... }[السجدة: ٢٠] فهما جماعتان متقابلتان لكل منهما جزاؤه الذي يناسبه:
{أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى. .}[السجدة: ١٩] والمأوى هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلجأ إليه ليحفظه من كل مكروه، كما قال تعالى في شأن عيسى وأمه مريم عليهما السلام:{وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}[المؤمنون: ٥٠] يعني: يمكنهما الاستقرار فيها؛ لأن بها مُقوِّمات الحياة (ومعين) يعني: عيْن ماء.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة ابن نوح حين قال لأبيه:{سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المآء ... }[هود: ٤٣] فنبَّهه أبوه وحذره، فقال:{لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ ... }[هود: ٤٣]
ونلحظ في هذه القصة حنان الأبوة من سيدنا نوح حين قال {رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي ... }[هود: ٤٥] لكن ربه عَزَّ وَجَلَّ لا يتركه على هذه القضية، إنما يُصحِّحها له {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ... }[هود: ٤٦]
إذن: فالبنوة هنا ليست بنوة نسب، إنما بنوة إيمان وعمل، أَلاَ