وبعدها خاطبه ربه:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[الشرح: ١ - ٤]
والهدف حينما يكون غالياً، والغاية سامية يهون في سبيلها كل جهد، وقد عاد الوحي إلى رسول الله بعد شوق، وخاطبه ربه بقوله:{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى}[الضحى: ٤ - ٥]
إذن: ثبت القرآن بالوحي عن طريق الرسول الملَك، ولم يثبت بالإلهام أو النفث في الرَّوْع، أو الكلام من وراء حجاب، يقول تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ... }[الشورى: ٥٢]
والوحي هنا:{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ. .}[الأحزاب: ٢] مِنْ مَنْ؟ {مِن رَبِّكَ. .}[الأحزاب: ٢] ولم يقل مثلاً رب الخلق، نعم هو سبحانه رب الخَلْق جميعاً، لكن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيد الخلق، فهو رب الخلق من باب أَوْلَى، وكلمة (ربك) تدل على الحب وعلى الاهتمام، وأنه تعالى لن يخذلك أبداً، وما اتصاله بك إلا للخير لك ولأمتك.
ثم يقول تعالى:{إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[الأحزاب: ٢] الخبير مَنْ وصل إلى منتهى العلم الدقيق، ومنه قولنا: اسأل أهل الخبرة. يعني: لا يسأل أهل العلم السطحي، فالخبير هو الذي لا يغيب عنه شيء.
وتلحظ أن الآية السابقة خُتمتْ بقوله تعالى:{إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}[الأحزاب: ١] أي: عليماً بما يُشرِّع، حكيماً يضع الأمر في موضعه، وقال هنا:{إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[الأحزاب: ٢] أي: بما ينتهي إليه أمرك مع التشريع، استجابةً أو رفضاً، فربُّك لن يُشرِّع لك ثم يتركك، إنما يَخْبُر ما تصنع، ولو حتى نوايا القلوب.