أي أن الشيطان يؤكد أنه لن يفزع لأحد من الذين اتبعوه لينجده، إن كلمة «يصرخ» تعني أن هناك مَنْ يفزع لأحد تلبية لنداء أو استغاثة. الشيطان إذن لن ينجد أحدا من عذاب الله، ولن ينجد أحد الشيطان من عذاب الله، وهكذا ذهب بعض من أهل الكتاب إلى الغرور في دين الله، فافتروا أقوالا على الله، لم تصدر عنه، وصدقوا افتراءاتهم، ويا ليت غرورهم لم يكن في الدين لأن الغرور في غير الدين تكون المصيبة فيه سهلة لكن الغرور في الدين هو المصيبة الكبرى، لماذا؟ لأن الغرور في أي أمر يخضع لقانون واضح، وهو أن ميعاد كل حدث موقوت بماهيته، لكن الغرور في امر الدين مختلف لماذا؟ لأن حدث الدين غير موقوت بماهية الزمان، إنه مستمر، لأن منهج قيم صدر من الحق إلى الخلق، إن الغرور في أي جزئية من جزئيات الدنيا، فإن فشلت فالفشل يقف عند هذه الجزئية وحدها، ولا يتعدى الفشل إلى بقية الزمن، لكن الغرور في الدين يجعل العمر كُله يضيع، لأن الإنسان لم يتبع المنهج الحق بل يمتد الضياع والعذاب إلى العمر الثاني وهو الحياة في الآخرة يقول الحق:{وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}[آل عمران: ٢٤] .
والإفتراء هو تعمد الكذب، إن الحق سبحانه يوضح لهم المعنى فيقول: إن حصل ذلك منكم وأعرضتم عن حكم الله الذي دعيتم إليه في كتاب الله، وعللتم ذلك بأن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، وادعيتم كذبا أن الأيام المعدودات هي أيام عبادتكم للعجل، وادعيتم أنكم أبناء الله وأحباءه، إن ذلك كله غرور وافتراءات، ويا ليتهم كانوا يعلمون صدق هذه الافتراءات، لكنهم هم الذين قالوها ويعرفون أنها كذب، فإذا جاز ذلك لهم في هذه الدنيا فكيف يكون موقفهم