أبو الأنبياء، وتُقدِّر علاقته بالكعبة ورَفْع قواعدها، وأنه قدوة في مسألة الذَّبْح والسَّعي وغيرها.
وموسى وعيسى؛ لأن اليهودية والمسيحية ديانتان معاصرتان لدعوة رسول الله، حيث كان اليهود في المدينة، والنصارى في نجران، وهما أهل الكتاب الذين كان بينهم وبين رسول الله مواقف شتى، وكانت لهم في الجزيرة العربية السيادة العلمية والسيادة الاقتصادية والسيادة العمرانية والسيادة الحربية، وكأنهم هم أصحاب هذه البلاد.
ومن العجيب أن هؤلاء كان الله سبحانه - في ميثاقهم مع أنبيائهم - يدخرهم ليشهدوا لمحمد بصِدْق دعوته؛ لذلك كانوا يستفحتون بمحمد على الذين كفروا ويقولون لعبدة الأصنام: لقد أطلّ زمان نبي سنتبعه، وتقتلكم به قتْل عاد وإرم، فكانوا يعرفون زمان رسول الله وموطنه، وأنه سيُبعث في أرض ذات نخل، ومن صفاتها كذا وكذا، لذلك لما قطَّعهم الله في الأرض أمماً وشتتهم، جاء المشتغلون منهم بالعلم إلى يثرب ينتظرون بعثته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
لذلك يقول تعالى:{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب}[الرعد: ٤٣]
إذن: فأهل الكتاب كان من المفترض فيهم أنْ يشهدوا لرسول الله بِصدْق الرسالة، لكن يحكي القرآن عنهم بعد هذا كله:{فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين}
[البقرة: ٨٩]
فكيف إذن تم هذا التحول؟ وكيف تنقلب عقيدة القلب إلى تمرُّد القالب؟ قالوا: إنها السلطة الزمنية التي أحبوا أنْ تبقى، وأنْ تدوم لهم. فقد بُعِث الرسول وهم أهل مال وتجارة وأهل حِرَف وعمارة،