والله تعالى يخاطب هنا المؤمنين، ومعنى الإيمان هو اليقين بوجود إله واحد له كل صفات الجلال والكمال، والله سبحانه يكفي العقل أنْ يهتدي إلى القوة الخالقة الواحدة التي لا تعاند، لكن ليس من عمل العقل أنْ يعرف مثلاً اسم هذا الإله، ولا أن يعرف مراده، فكان ولا بُدَّ من البلاغ عن الله.
وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بمَنْ يطرق علينا الباب، فنتفق جميعاً بالعقل على أن طارقاً بالباب، هذا هو عمل العقل، لكن أمن عمل العقل أن نعرف مَنْ هو؟ أو نعرف مقصده من المجيء؟ وهذا ما نسميه التصور.
فآفة العقل البشري أنه لم يقنع بالتعقل للقوة القاهرة الفاعلة، فكان يكفيه أن يتعقل أن وراء هذا الكون قوةً، هذه القوة لها صفات الكمال التي بها أوجدتْ هذا الكون، فإنْ أردنا معرفة ما هي هذه القوة فلابُدَّ أنْ نترك هذا الطارق ليخبرنا عن نفسه، ويفصح عن هدفه وسبب مجيئه، ولا يتم ذلك إلا من خلال رسول يأتي من عند الله يخبرنا عن هذه القوة، عن الله، عن أسمائه وصفاته ومنهجه الذي ارتضاه لخَلْقه، وما أعدَّه الله لمَنْ أطاعه من النعيم، وما أعدَّه لمَنْ عصاه من العذاب.
فإنْ كذَّبنا هذا الرسول، وطلبنا دليلاً على صِدْقه في البلاغ أخرج لنا من المعجزات ما يؤيده وما يحملنا على تصديقه؛ لأنه أتى بلونٍ مما ننبغ فيه نحن، وفن من فنوننا، ومع ذلك عجزنا عن الإتيان بمثله.
إذن: فالتعقُّل أول مراحل الإيمان: لذلك فإن أبسط ردٍّ على مَنْ يعبدون غير الله أن نقول لهم: بماذا أمرتكم آلهتكم؟ وعمَّ نهتْكم؟ وماذا أعدَّتْ لمن أطاعها؟ وماذا أعدَّت لمنْ عصاها؟ ما المنهج الذي تستعبدكم به؟