يقول للقوم: هلك الخفُّ والحافر، وليستْ الأرض دارَ مقام فهيا بنا، وأنا أولكم، وركب راحلته وهي معقولة من شدة تسرُّعه، قال حذيفة: فهممتُ أن أقتله، فأخرجت قوسي ووترتُها وجعلت السهم في كبدها، لكني تذكرت قول رسول الله «لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني» فلم أشأْ أن أقتله، فلما ذهبت إلى رسول الله وجدته يصلي، فلما أحسنَّ بي فَرج بين رجليه - وكان الجو شديد البرودة - فدخلتُ بين رجليه فنثر عليَّ مُرْطه ليدفئني، فلما سلم قال لي: ما خطبك فقصصت عليه قصتي.
وبعد أنْ جند الحق سبحانه كلاً من نعيم الأشجعي وحذيفة لنصرة الحق، جاءت جنود أخرى لم يروْهَا، وكانت هذه الليلة باردة، شديدة الرياح، وهبَّتْ عاصفة اقتلعتْ خيامهم، وكفأتْ قدورهم وشرَّدتهم، ففرَّ مَنْ بقي منهم.
وهذا معنى قوله تعالى:{وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً}[الأحزاب: ٢٥]{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ... }[المدثر: ٣١] .
بعد أنْ ردَّ الحق سبحانه كفار مكة بغيظهم، وكفى المؤمنين القتال أراد أنْ يتحوَّل إلى الجبهة الأخرى، جبهة بني قريظة، فلما رجع رسول الله من الأحزاب لقيه جبريل عليه السلام فقال: أوضعتَ لأْمتَك يا محمد، ولم تضع الملائكة لأمتها للحرب؟ اذهب فانتصر لنفسك من بني قريظة، فقال رسول الله للقوم: