إذن: ففرحكم برسول الله كرسول أَوْلَى من فرحكم به كأب، وإلاَّ فما أكثر من لهم آباء، وهم أشقياء في الحياة لا قيمة لهم.
وقوله {مَّا كَانَ ... }[الأحزاب: ٤٠] النفي هنا يفيد الجحود، فهو ينكر ويجحد أنْ يكون محمدا أَباً لأحد من رجالكم، وتأمل عظمة الأداء القرآني في كلمة {مِّن رِّجَالِكُمْ ... }[الأحزاب: ٤٠] ولم يَقُلْ مثلاً أبا أحد منكم، لماذا؟ قالوا: لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان أباً لعبد الله وللقاسم ولإبراهيم، وكانوا جميعاً منهم، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبوهم، فجاءت كلمة {رِّجَالِكُمْ ... }[الأحزاب: ٤٠] لتُخرج هؤلاء الثلاثة؛ لأنهم لم يبلُغوا مبلغ الرجال، فمحمد ما كان أبداً أبا أحد من الرجال، وإنْ كان أباً لأولاد صغار لم يصلوا إلى مرحلة الرجولة.
وقوله {ولكن ... }[الأحزاب: ٤٠] أي: أهم من أُبوَّته أن يكون رسول الله {ولكن رَّسُولَ الله ... }[الأحزاب: ٤٠] ليس هذا فحسب، ولكن أيضاً {وَخَاتَمَ النبيين ... }[الأحزاب: ٤٠] أي: الرسول والنبي الذي يختم الرسالات، فلا يستدرك عليه برسالة جديدة.
وهذه من المسائل التي وقف عندها المستشرقون معترضين، يقولون: جاء في القرآن: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ... }[آل عمران: ٨١] .
ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ضمن الأنبياء الذين أُخذَ عليهم هذا العهد، بدليل:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ... }[الأحزاب: ٧] .
إذن: أخذ الله العهد على الأنبياء أنه من ضمن مبادئهم أنْ يُبلِّغوا قومهم بمقدم رسول جديد، وأنه إذا جاءهم عليهم أن يؤمنوا به، وأنْ ينصرونه، كما بشَّر مثلاً عيسى عليه السلام برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ