وجاء الأمر بذكر الله وبعد الأمر بتسبيحه تعالى، وكأنه يقول لك كلما ذكرته: نزِّهه ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً، فمن مصلحتك في رحلة الحياة ألاَّ يكون لله مثيل ولا شبيه ولا نظير ولا نِدٌّ؛ لأن الجميع سيكونون تحت عَدْله سبحانه، فتنزيه الله لمصلحَتك أنت أيها المسبِّح.
وسبق أنْ ذكرنا في ذلك قول أهل الريف (اللي ملوش كبير يشتري له كبير) فوجود كبير فوق الجميع يحميك أنْ يتكبر أحد عليه، إذن: عظمته تعالى وكبرياؤه من أعظم النعم علينا، فساعة تُسبِّحه وتُنزِّهه أحمد الله لأنه مُنزَّه، أحمد الله أنه لا شريك له، وأن الناس جميعاً عنده سواء، أحمد الله لأن كلامه وأمره نافذ على الجميع، أحمد الله أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وليس بينه وبين أحد من خَلْقه نَسَب.
وكيف لا نذكر الله ولا نسبّحه ونحمده، وهو سبحانه الذي خلق الخَلْق، وقبل أنْ يخلقهم رتَّب لهم غاياتهم - والخَلْق: إيجاد على تقدير لغاية - بل وأعدَّ لهم ما يخدمهم، فطرأ الإنسان على كون مُعَدٍّ لاستقباله، فقبل أنْ يخلقه خلق له.
ثم ما كلفك بمنهجه مباشرة، إنما تركك تربع في نعمه، منذ ميلادك إلى سِنِّ البلوغ بدون تكليف، ومعنى البلوغ أنْ تصل سنَّ الرشد فتُقبل على الله بعقل وفكر، فالدين ليس تقليداً إنما عقدة واقتناع.
وسبق أنْ شبَّهنا نضج الإنسان بنضج الثمرة، فالثمرة لا تحلو إلا حين تنضج بذرتها، وتصير صالحة للإنبات إنْ زُرعت، وهذه من عظمة الخالق سبحانه، ولو أن الثمرة تحلو وتستوي قبل نُضْج