للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إقْدَامُ عَمروٍ في سَمَاحةِ حاتم ... في حِلْم أحنْفَ في ذَكَاءِ إيَاسِ

وعمرو مضرب المثل عند العرب في الشجاعة، وحاتم في الكرم، وأحنف بن قيس في الحِلْم، وإياس بن معاوية في الذكاء، فقام إليه أحد الحاضرين وقال له - وكان حاقداً عليه -: أمير المؤمنين فوق ما تقول، أتُشبِّهه بأجلاف العرب؟ وأنشأ يقول:

وشبَّهه المدَّاح في البَأسِ والنَّدَى ... بمَنْ لوْ رآهُ كَانَ أصْغر خَادِمِ

فََفِي جَيْشهِ خَمْسونَ ألْفاً كعنتْر ... وفي خُزَّانِهِ أَلْفُ حَاتِمِ

عندها أطرق أبو تمام هُنيهة، ثم قال:

لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي له مَنْ دُونَهُ ... مَثَلاً شَرُوداً في النَّدَى والبَاسِ

فَاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلّ لِنُورِهِ ... مثَلاً من المشْكاةِ والنِّبراس

إذن: فالنور المعنوي يُجنّبك العطب المعنوي، كما أن النور الحسيَّ يُجنَّبك العطب الحسِّيَّ؛ لذلك قال سبحانه عن نوره {نُّورٌ على نُورٍ ... } [النور: ٣٥] يعني: نور حِسّيّ يقيكم المعاطب الحسية، ونور معنوي يقيكم المعاطب المعنوية {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ ... } [النور: ٣٥] والمراد به هنا النور المعنوي الذي يهتدي به المؤمن ويسير عليه، أما الكافر فهو لا يعرف إلا النور الحسيَّ فقط.

فإنْ سألت: فأين نجد هذا النور يا رب؟ يُجيبك ربك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله ... } [النور: ٣٦ - ٣٧] .

فإنْ أردتَ النور الحق فهو في خَلْوتك مع ربك وفي بيته، حيث تتجلَّى عليك إشراقاته ويغمرك نوره.

<<  <  ج: ص:  >  >>