ثم من ناحية أخرى تجد أن العبادة والطاعة نفعُها يعود إليك أنت، ولا ينتفع الله تعالى منها بشيء، فإذا كانت الطاعة والعبادة يعود نفعها إليك، إذن: فالثواب عليها يكون فضلاً من الله.
ومثَّلْنا لذلك - ولله المثل الأعلى - بولدك تُشجِّعه على المذاكرة، وتُحضر له أدواته، وتنفق عليه طوال العام، فإذا ما نجح آخر العام أعطيْتَه هدية أو مكافأة، فهذه الهدية من باب الفضل.
لذلك، إنْ أردتَ أنْ تصلح بين متخاصمين، أو تُؤلِّف بينهما فقُلْ لهم: أتحبون أنْ أحكم بينكم بالعدل أم بالفضل؟ سيقولون لك: ليس هناك أفضل من العدل، وعندها لك أن تقول: بل الفضل أحسن من العدل؛ لأن العدل أنْ تأخذ حقك من خصمك، والفضل أنْ تترك حقَّك لخصمك لتأخذه من يد ربك عَزَّ وَجَلَّ.
وهذا ما رأيناه مُطبِّقاً في قصة الإفك بين سيدنا أبي بكر حين عفا عن مسطح بعد أن نزل قوله تعالى:{وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور: ٢٢] .
فمن أراد أنْ يغفر الله له ذنوبه فليغفر لأخيه زلَّته وسَوْأتَهُ.