إذن: ما دم لك أن ترجيء أزواجاً منهن وتمنعهن من القسمة، ثم تضم غيرهن، فكأن المنفعة هنا موقوتة، فناسب ذلك أن يُسمَّى المهر أجراً.
والحق سبحانه يعطي نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في كل مراحل سيرته أزكى المواقف وأطهرها وأنبلها، فقوله تعالى:{اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... }[الأحزاب: ٥٠] دليل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما انتفع بهن إلا بعد أنْ أدَّى مهرهن، في حين أن للإنسان أنْ يسمى المهر، ويدخل بزوجته دون أن يدفع من المهر شيئاً، ويكون المهر كله أو بعضه مُؤخَّراً، لكن تأخير المهر يعطي للمرأة حق أنْ تمتنع عن مضاجعته، فإنْ سمحَتْ له فهو تفضُّل منها. إذن: فرسول الله اختار أكمل شيء.
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جاء ليبُيِّن للناس ما نُزِّل إليهم، وجعله ربه أُسْوة سلوكية في الأمور التي يعزُّ على الناس أن يستقبلوها، فنفَّذها رسول الله في نفسه أولاً كما قلنا في مسألة التبني.
كذلك في مسألة تعدد الزوجات، فرسول الله أُرسِل والتعدد موجود عند العرب وموجود حتى عند الأنبياء السابقين، لكن أراد الله أنْ يحدد هذا التعدد تحديداً يمتص الزائد من النساء، ولا يجعله مباحاً في كل عدد، فأمر رسوله أن يقول لأمته: مَنْ كان عنده أكثر من أربع فليمسك معه أربعاً، ويفارق ما زاد عنهن، في حين كان عنده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تسع زوجات.
فلو أن الحكم شمله، فأمسك أربعاً، وسَرَّح خمساً لأصابهُنَّ ضرر كبير، ولصِرْنَ مُعلَّقات؛ لأنهن زوجات رسول الله وأمهات