هذه العبودية، وعاش في حمايتها، وكان بعضهم يفخر بعبوديته ولا يسترها فيقول: أنا عتيق آل فلان.
والمنصف يجد أن مِلْك اليمين في الإسلام ليست سُبَّة فيه، إنما مفخرة للإسلام؛ لأن مِلْك اليمين وسيلته في الإسلام واحدة، هي الحرب المشروعة، فالإسلام ما جاء لينشيء رِقاً، إنما جاء لينشيء عتقاً.
الإسلام جاء والرق موجود، وكان العبيد يُباعون مع الأرض التي يعملون بها، ولا سبيل للحرية غير إرادة السيد في عِتْق عبده، في حين كانت منابع الرقِّ كثيرة متعددة، فكان المدين الذي لا يقدر على سداد دَيْنه يبيع نفسه أو ولده لسداد هذا الدين، وكان اللصوص وقُطَّاع الطرق يسرقون الأحرار، ويبيعونهم في سوق العبيد. . إلخ.
فلما جاء الإسلام حرَّم كل هذه الوسائل ومنعها، ولم يُبْقِ إلا منبعاً واحداً هو السَّبْي في حرب مشروعة، وحتى في الحرب ليس من الضروري أن ينتج عنها رِقٌّ؛ لأن هناك تبادلَ أسري، ومعاملة بالمثل، وهذا التبادل يتم على أقدار الناس، فالقائد أو الفيلسوف أو العالم الكبير لا يُفتدى بواحد من العامة، إنما بعدد يناسب قدره ومكانته، واقرأ في ذلك قوله تعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا ... }[محمد: ٤] .
لأن الحرب ما شُرِعَتْ في الإسلام ليُرغم الناسُ على الدين، لكن ليُحمي اختيارهم للدين، بدليل أن البلاد التي دخلها الفتح الإسلامي بقي فيها كثير من الناس على كفرهم، ثم ألزمهم دفع الجزية مقابل الزكاة التي يدفعها المسلم، ومقابل الخدمات التي تؤديها إليه الدولة.