لذلك فإن أهل الحكمة عندنا في الفلاحين يقولون:(مَنْ يحرس) يعني: بالليل (لا يحرث) يعني: بالنهار؛ لأن الإنسان إنْ انشغل وقت راحته لا يجيد عمله ولا يتقنه.
بصرف النظر، أكان وقت الراحة في الليل أو في النهار، فأنت مثلاً حين تتأمل البلاد التي تشرق فيها الشمس ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، وتغيب أيضاً ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، هل نتصور أن يعمل أهل هذه البلاد طوال الثلاثة أشهر، وينامون ثلاثة أشهر؟ لا إنما يُقسِّمون هذه الفترة في ليل أو نهار إلى فترات: فترة للعمل، وفترة للراحة.
لذلك تجد من عظمة القرآن أنْ يحتاط لمثل هذه الأمور، فيقول سبحانه:{مِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ ... }[الروم: ٢٣] فالنوم يكون بالليل، ويكون أيضاً بالنهار لمن تستدعي طبيعة عمله أن يعمل بالليل.
والبيت يكون على قدر إمكانات صاحبه، المهم أنْ يكون له مكان يأوي إليه ويستريح فيه، مهما قَلَّ، حتى لو كان مكاناً ضيِّقاً على قَدْر ما يسع الإنسان أنْ يضع جنبه على الأرض، فإنْ كان فيه مُتَّسع فبها ونِعْمت، وعلى طارق البيت أنْ يراعي مدى البيتوتة لمن يطرق عليه.
وكما يتفاوت الناس في البيوت، كذلك يتفاوتون في ترف الحياة وأسباب الراحة في البيت على حسب الإمكانات، وما دامت الراحة على قدر الإمكانات، فينبغي أنْ يتحلَّى كلٌّ بالرضا، وأنْ يربط بين عمله ودَخْله وبين ترف حياته، فقبل أنْ تفرض لنفسك حياة مترفة، افرض لها أولاً عملاً مترفاً بنفس المستوى، بحيث توفر منه إمكانات هذا الترف.