يقولون: إذا كان الله يمتنُّ بعلم ما نُخفي، فما الميزة وما العظمة في علم ما نبدي؟
نقول: إياك حين تقرأ كلام الله أنْ تُحكِّم فيه عقلك قبل أنْ تؤمن أنه صادر من الله تعالى، وأن هذا كلامه سبحانه، وعندها أَدِرْ المسألة في عقلك وابحثها حتى تصل إلى الحكمة ووجه الإعجاز فيها.
فقوله تعالى {إِن تُبْدُواْ ... .}[الأحزاب: ٥٤] الله لا يخاطب فرداً، إنما يخاطب جمهرة الناس، والإبداء من الجمهرة لا يمكن لك أن تحدد مصدر الفعل فيه، بحيث تردُّ كلَّ صوت، وكلَّ حركة إلى صاحبها.
وسبق أنْ مثَّلنا لذلك بالمظاهرة مثلاً التي تختلط فيها الأصوات وتعلوا الهتافات، وسمعنا مثلاً مَنْ ينادي بسقوط فلان، أنستطيع في هذه الحالة أنْ نحدد صاحب هذا الهتاف؟ لا لا نستطيع بسبب اختلاط وتداخل الأصوات، مع أنه جَهْر أعلنه صاحبه بأعلى صوته أبداه على الملأ، ومع ذلك لا تستطيع أنت تحديده.
أما الحق سبحانه، فيعلم الصوت، ويعلم صاحبه، ويعلم أثره ونتيجته، ويريد كل كلمة، بل وكل نَفَس إلى صاحبه، فالذين يحاولون التستُّر والاستخفاء في جمهرة الناس عليهم أنْ يحذروا إنْ شوَّشوا على الخَلْق، واستْخفوا منهم، فلن يستخفوا من الله، فالله لا تشتبه عليه اللغات، ولا تختلط عليه الأصوات.