ومعلوم أن سيدنا رسول الله لم يُطلَب منه إلا البلاغ فحسَبْ، أما الهداية فمن الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنه تعالى قال:{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}[الشعراء: ٤] .
فلشدة حرصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على هداية قومه عاتبه ربه؛ لأنه شَقَّ على نفسه، فالعتاب هنا لصالحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كما جاء في قوله تعالى:{ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ... }[التحريم: ١] .
وهذا العتاب أشبه بعتابك لولدك الذي أرهق نفسه في المذاكرة، حتى أنك أشفقتَ عليه، فأنت لا تلومه على تقصير، إنما على المبالغة في عمل لا تطيقه قوته.
وقد ظهرت قمة حرْصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أمته حين أنزل الله عليه:{والضحى والليل إِذَا سجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى}[الضحى: ١ - ٥] .
فالتقطها رسول الله من ربه وجعلها لأمته، فقال:«إذن: لا أرضى وواحد من أمتي في النار» .
فإذا كان رسول الله حريصاً عليكم بهذا الشكل، فهو يستحق منكم أنْ تُصلُّوا عليه؛ لأن كل خير يناله يعُمُّ عليكم، ويعود إليكم؛ لذلك قال سبحانه:{إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[الأحزاب: ٥٦] .
وتلحظ أن الخبر {يُصَلُّونَ ... }[الأحزاب: ٥٦] خبر عن الله والملائكة؛ فجمع الحق سبحانه بين صلاته وصلاة ملائكته، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مرة