وأيضاً القرآن هو الذي قال عن أهل المدينة:{وَمِنْ أَهْلِ المدينة مَرَدُواْ عَلَى النفاق ... }[التوبة: ١٠١] وهذا ليس استضعافاً للمدينة، إنما إظهار لقوة الإسلام فيها، بحيثُ أصبحتْ له سطوة وقوة تُنافَق.
هنا قوله تعالى:{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون ... }[الأحزاب: ٦٠] ساعة تسمع {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ... }[الأحزاب: ٦٠] فاعلم أن الله تعالى أقسم بشيء وهذا القول هو جواب القسم، والحق سبحانه لا يُقسِم إلا على الشيء العظيم، ونحن البشر نُقسِم لنؤكد كلامنا، كما تقول: والله إنْ ما حدث من فلان كذا وكذا سأفعل كذا وكذا.
أما الحق سبحانه، فكلامه صادق ونافذ دون قَسَم، فما بالُكَ إنْ أقسم؟ لذلك يقول بعض العارفين إذ سمع الله تعالى يُقسِم: مَنْ أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم؟
كلمة {المنافقون.
... } [الأحزاب: ٦٠] مفردها منافق، مأخوذ من نَافَقاء اليربوع، واليربوع حيوان صغير يشبه الفأر، يعرفه أهل البادية، يعيش في جحور، فيترصدونه ليصطادوه ساعة يخرج من جٌحْره، لكن هذا الحيوان الصغير فيه لُؤْم ودهاء، فماذا يفعل؟ يجعل لجُحْره مدخلين، واحد معروف، والآخر مستتر بشيء، فإذا أحس بالصياد على هذا المدخل ذهب إلى المدخل الآخر؛ لذلك أشبه المنافق تماماً الذي له قلب كافر ولسان مؤمن.
وتلحظ أن المنافقين وصفهم الله هنا بصفات ثلاث {المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ والمرجفون فِي المدينة ... }[الأحزاب: ٦٠] فالعطف هنا لا يقتضي المغايرة، إنما عطف صفات مختلفة لشيء