العبد» يعني ينصرف دون قيد عليه. أو «حررت الكتاب» أصلحت ما فيه. إن تحرير أي أمر، هو إصلاح ما فيه من فساد أو إطلاقه من أي ارتباط أو قيد. أما قولها:{رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} هو مناجاة لله، فما الدافع إلى هذه المناجاة لله؟
إن امرأة عمران موجودة في بيئة ترى الناس تعتز بأولادها، وأولاد الناس - كما نعلم - يحكمون حركة الناس، والناس تحكم حركة أولادهم، ويكد الناس من أجل أن يكون الأبناء عزوة، وقرة عين، ويتقدم المجتمع بذلك التواصل المادي، ولم تعجب امرأة عمران بذلك، لقد أرادت ما في بطنها محررا من كل ذلك، إنها تريده محررا منها، وهي محررة منه. وهذا يعني أنها ترغب في أن يكون ما في بطنها غير مرتبط بشيء أو بحب أو برعاية.
لماذا؟ لأن الإنسان مهما وصل إلى مرتبة اليقين، فإن المسائل التي تتصل بالناس وبه، تمر عليه، وتشغله، لذلك أرادت امرأة عمران أن يكون ما في بطنها محررا من كل ذلك، وقد يقال: إن امرأة عمران إنما تتحكم بهذا النذر في ذات إنسانية كذاتها، ونرد على ذلك بما يلي:
لقد كانوا قديما عندما ينذرون ابنا للبيت المقدس فهذا النذر يستمر ما دامت لهم الولاية عليه، ويظل كما أرادوا إلى أن يبلغ سن الرشد، وعند بلوغ سن الرشد فإن للابن أن يختار بين أن يظل كما أراد والداه أو أن يحيا حياته كما يريد.
إن بلوغ سن الرشد هو اعتراف بذاتية الإنسان في اتخاذ القرار المناسب لحياته. كانت امرأة عمران لا تريد مما في بطنها أن يكون قرة عين، أو أن يكون معها، إنها تريده محررا لخدمة البيت المقدس، وكان يستلزم ذلك في التصور البشري أن يكون المولود ذكرا؛ لأن الذي كان يقوم بخدمة البيت هم الذكران.
ونحن نعرف أن كلمة «الولد» يطلق أيضا على البنت، ولكن الاستعمال الشائع، هو أن يطلق الناس كلمة «ولد» على الذكر.
لكن معنى الولد لغويا هو المولود سواء أكان ذكرا أم أنثى. وعندما نسمع كلمة «نذر» فلنفهم أنها أمر أريد به الطاعة فوق تكليف المكلف من جنس ما كلّفه به الله.