ومعنى حزبه أمر، أي أن أسبابه ضاقت، لذلك يذهب إلى الصلاة لخالق الأسباب، إنها ذهاب إلى المسبب. وبدلا من أن تلف وتدور حول نفسك، اذهب إلى الله من أقصر الطرق وهو الصلاة، لماذا تتعب نفسك أيها العبد ولك رب حكيم؟ وقديما قلنا: إن من له أب لا يحمل هما، والذي له رب أليس أولى بالإطمئنان؟
إن زكريا قد دعا الله في الأمر الذي حزبه، وبمجرد أن دعا في الأمر الذي حزبه، قام إلى الصلاة، فنادته الملائكة، وهو قائم يصلي، إن الملائكة لم تنتظر إلى أن ينتهي من صلاته، {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} .
والبشارة هي إخبار بخير زمنه لم يأت، فإذا كانت البشارة بخير زمنه لم يأت فلنر من الذي يخبر بالبشارة؟ أمن يقدر على إيجاده أم من لا يقدر؟ فإذا كان الله هو الذي يبشر، فهو الذي يقدر، لذلك فالمبشر به قادم لا محالة، {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى} لقد قال له الله: سأعطيك. وزيادة على العطاء سماه الله ب {يحيى} وفوق كل ذلك: {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} .
ولننظر إلى دقة الحق حين يقول:{بيحيى مُصَدِّقاً} . هذا دليل على أنه سيعيش بمنهج الله وما يعرفه من الطاعات سيسير في هذا الطريق وهو مصدق، وهو سيأتي بكلمة من الله، أو هو يأتي ليصدق بكلمة من الله، لأن سيدنا يحيى هو أول من آمن برسالة عيسى عليه السلام. وهو موصوف بالقول الحق:{وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصالحين} . أي ممنوعا عن كل ما حُرم عليه، أو ممنوعا عن قمة الغرائز وهي الشهوة، وهو نبيّ، أي قدوة في اتباع الرسول الذي يجيء في عصره، لقد دعا زكريا، وقام ليصلي، وتلقى البشارة بيحيى، وهنا ارتجت الأمور على بشرية زكريا، ويصوره الحق بقوله:{قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ... }