من الصفو أو الصافي، أي الشيء الخالص من الكدر. وعادة تؤخذ المعاني من المحسات، وعندما تقول الماء الصافي أي الماء غير المكدر، أو كما يقول الحق:{وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}[محمد: ١٥] .
وعندما يقول الحق:{إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} نحن هنا أمام اصطفاءين، الاصطفاء الأول ورد دون أن تسبقه كلمة «على» والإصطفاء الثاني تسبقه كلمة «على» والمقصود بالإصطفاء الأول هو إبلاغ مريم أن الله ميزها بالإيمان، والصلاح والخلق الطيب، ولكن هذا الاصطفاء الأول جاء مجردا عن «على» أي أن هذا الاصطفاء الأول لا يمنع أن يوجد معها في مجال هذا الإصطفاء آخرون، بدليل قول الحق:{إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العالمين}[آل عمران: ٣٣] .
ثم أورد الحق سبحانه أنه طهرها، وجاء من بعد ذلك بالاصطفاء الثاني المسبوق ب «على» فقال {واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} إذن فهذا خروج للرجال عن دائرة هذا الاصطفاء، ولن يكون مجال الاصطفاء موضوعا يتعلق بالرجولة؛ فهي مصطفاة على نساء العالمين، فكأنه لا توجد أنثى في العالمين تشاركها هذا الاصطفاء. لماذا؟ لأنها الوحيدة التي ستلد دون ذكر، وهذه مسألة لن يشاركها فيها أحد.
وقوله الحق:{واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} هذا القول يجب أن ينبه في نفسها سؤالا هو: ما الذي تمتاز هي به عن نساء العالمين؟ إن الذهن ينشغل بهذا الأمر، وينشغل على أمر من وظيفة الأنثى، ولنضم هذه إلى قول الحق على لسانها:{إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ونجد أن هذه كلها إيناسات للحدث الذي سيأتي من بعد ذلك، وهو حدث يتعلق بعرضها وعفافها، فلا بد أن يمهد الله له تمهيدا مناسبا حتى تتأكد من أن هذه المسألة ليس فيها شيء يخدش الكرامة.
{واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} ولنا أن نسأل: ما نتيجة الاصطفاء؟