والقلم يُطلق على القلم الذي نكتب به، أو يطلق القلم على القداح التي كانوا يقترعون بها إذا اختلفوا على شيء. وكانوا عندما يختلفون يحضرون قداحا، ليعفروا من يظفر بالشيء المختلف عليه ونسميها نحن القرعة، والقرعة يقومون بإجرائها لإخراج الهوى من قسمة شائعة بين أفراد، وذلك حتى لا يميل الهوى إلى هذا أو إلى ذاك مفضلا له على الآخرين، ولذلك فنحن أيضا نجري القرعة فنضع لكل واحد ورقة.
إذن فلا هوى لأحد في إجراء قسمة عن طريق القرعة، وبذلك نكون قد تركنا المسألة إلى قدر الله لأن الورقة لا هوى لها، ولما اختلف قوم مريم على كفالتها، واختصموا حول مَن الذي له الحق في أن يكفلها. هنا أرادوا أن يعزلوا الهوى عن هذه المسألة، وأرادوا أن تكون قدرية، ويكون القول فيها عن طريق قدح لا هوى له.
وهذا القدح سيجري على وفق المقادير. أما «أقلامهم» فقد تكون هي القداح التي يقتسمون بها القرعة، أو الأقلام التي كتبوا بها التوراة تبركا.
وتساؤل البعض، ما المقصود بقول الحق:«إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ» وأين تم إلقاء هذه الأقلام؟ قيل: إنها ألقيت في البحر وإذا ألقيت الأقلام في البحر فمن الذي يتميز في ذلك؟ قيل: إنه إذا ما أطل قلم بسنه إلى أعلى فصاحبه الفائز، أو إذا غرقت كل الأقلام وطفا قلم واحد يكون صاحبه هو الفائز. ولا بد أنهم اتفقوا على علامة أو سمة ما تميز القلم الذي كان لصاحبه فضل كفالة مريم. {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} .
وكلمة {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} تدل على حرارة المنافسة بين القوم شوقا إلى كفالة مريم، لدرجة أن أمر كفالتها دخل في خصومة، وحتى تنتهي الخصومة لجئوا إلى الاقتراع بالأقلام.