وخلق الإنسان من موجود، وإن كان الإثنان على تقدير. وأيضا يعطي الله لخلقه سرا لا يستطيع البشر إعطاءه لصنعته، فالله يعطيه سر الحياة والحياة فيها نمو، وفيها تكاثر، لكن البشر يصنعون الكوب مثلا، فتظل كوبا، ولا يوجد تكاثر بين كوب ذكر وكوب أنثى.
إن الإنسان يوجد صنعته فتظل على حالتها، ولا يستطيع أن يصنعها صغيرة ثم تكبر، لكن صنعة الله هي صنعة القادر الذي يهب الحياة، فتكبر مخلوقاته وتتطور وتمر بمراحل، وتعطي مثلها. إذن، فالخلق إيجاد على تقدير، هذا الإيجاد يوجد معدوما، والمعدوم موجودة مادته، هذا في خلق الإنسان، أما في خلق الله، فالله يخلق من معدوم لا توجد له مادة.
والله يخلق من الشيء ذكرا وأنثى ويعطيهما القدرة على التناسل، فها هو ذا قول الحق سبحانه:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين}[المؤمنون: ١٢ - ١٤] .
ولم يمنع الحق خَلْقَه أن يخلقوا أشياء، ولكن خلق الله أحسن، لماذا؟ لأنه يخلق من عدم، والبشر يخلقون من موجود. وهو الحق يخلق ويوجد في مخلوقاته حياة وتكاثرا، والبشر يخلقون بلا نمو ولا حياة، إنه الحق أحسن الخالقين، إذن قول عيسى عليه السلام:{أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ «الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله} .
يعني أن كل إنسان يستطيع أن يصنع تمثالا كهيئة الطير. لكن الله أوجد معجزة عيسى وجعله يخلق من الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه، وقد تسأل، في ماذا ينفخ؟ أينفخ في الطير، أم في الطين، أم في الهيئة؟ إن قلنا: أن النفخ في الطين بعد ما صار طيرا. يكون النفخ في الطين، كالنفخ في الطير، وجاءت في آية أخرى أنها نفخ في الهيئة.