يتناوبون حراسته، ومعنى تناوب الحراس أنهم أرادوا أن يكونوا المصد للأخطار يتداولون ذلك فيما بينهم. وأراد الحق سبحانه أن يهاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من مكة إلى المدينة خفية، ونام علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه مكان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. لقد أراد علي - كرم الله وجهه - أن يكون هو المصد، فإذا جاء خطر فإنه هو الذي يصده.
لا شك أنه كان يفعل ذلك لأنه واثق أن بقاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خير للإسلام حتى ولو افتداه بروحه. هذا هو التسامى العالي من صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. كان الواحد منهم يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأن الأسوة بالرسول واتباع دين الله إنّما يعود ذلك عليه بالخير العميم. وعندما يموت واحد منهم في سبيل المحافظة على من أرسله الله رسولا ليبلغ دعوته فقد نال الشهادة في سبيل الله.
هذا هو أبو بكر الصديق رضوان الله عليه مع رسول الله في الغار. ألم يجد الصديق شقوقا فيمزع من ثيابه ليسد الشقوق؟ ألم يضع قدمه في شق لأنه يخشى أن تجيء حشرة من الحشرات قد تؤذي حضرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ لقد أراد أن يحافظ على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى ولو افتداه، وهذه شهادة بأن صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آمنوا بأن بقاء الرسول خير لهم وللإيمان ولنفوسهم من بقائهم هم أنفسهم.
وهكذا أراد الله نصرة رسوله على الكفار، عندما مكروا وبيتوا أن يقتلوه قبل الهجرة، وهكذا أراد الله نصر رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد الهجرة عندما واجه أعداء الإسلام في القتال، لقد مكروا، ولكن الله خير الماكرين.
وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول بهذا النصر من الله: لن تستطيعوا أن تقاوموا محمدا لا بالمواجة ولا بالتبييت. وها هو ذا تابع من أتباعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يهاجر علنا، ويقول: من أراد أن تثكله أمه، أو ترمل زوجته، أو ييتم ولدُه، فليلقني وراء هذا الوادي. بينما هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خفية.