للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فسدت خلايا المخ، فكل شيء ينتهي لأن المواصفات اختلت.

إذن، فالروح لا تحل إلا في بنية لها مواصفات خاصة، والقتل وسيلة أساسية لهدم البنية؛ وإذهاب الحياة، لكن الموت هو إزهاق الحياة بغير هدم البنية، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى. ولكن خلق الله يقدرون على البينة، لأنها مادة ولذلك يستطيعون تخريبها.

إذن، «فمتوفيك» تعني مرة تمام الشيء، «كاستيفاء المال» وتعني مرة «النوم» . وحين يقول الحق: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ماذا يعني ذلك؟ إنه سبحانه يريد أن يقول: أريدك تماما، أي أن خلقي لا يقدرون على هدم بنيتك، إني طالبك إلى تاما، لأنك في الأرض عرضة لأغيار البشر من البشر، لكني سآتي بك في مكان تكون خالصا لي وحدى، لقد أخذتك من البشر تامّاً، ومعنى «تاما» ، أي أن الروح في جسدك بكل مواصفاته، فالذين يقدرون عليه من هدم المادة لم يتمكنوا منه.

إذن، فقول الحق: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} هذا القول الحكيم يأتي مستقيما مع قول الحق: {مُتَوَفِّيكَ} . وقد يقول قائل: لماذا نأخذ الوفاة بهذا المعنى؟ نقول: إن الحق بجلال قدرته كان قادرا على أن يقول: إني رافعك إليّ ثم أتوفاك بعد ذلك. ونقول أيضا: من الذي قال: إن «الواو» تقتضي الترتيب في الحدث؟ ألم يقل الحق سبحانه: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: ١٦] .

هل جاء العذاب قبل النذر أو بعدها؟ إن العذاب إنما يكون من بعد النذر. إن «الواو» تفيد الجمع للحدثين فقط. ألم يقل الله في كتابه أيضا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [الأحزاب: ٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>