للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله أراد للإسلام أن يظهره إظهار حجة، لا من قِبَلِكم أنتم فقط ولكن من قِبلهم هم كذلك، والناس دائما حين يجتمعون ليشرعوا القوانين وليحددوا مصالح بعضهم بعضا، يلجأون أخيرا إلى الإسلام. فلننظر إلى من يشرع من جنس تشريع الأرض ولنسأل أرأيت تشريعا ارضيا ظل على حاله؟ لا، إن التشريع الأرضي يتم تعديله دائما.

لماذا لأن الذي وضع التشريع الأول لم يكن له من العلم ما يدله على مقتضيات الأمور التي تَجدّ، فلما جَدّت أمور في الحياة لم تكن في ذهن من شرع أولا، احتاج الناس إلى تعديل التشريع. ولنمسك بأي قانون بشرى معدل في أي قضية من قضايا الكون، ولننظر إلى أي اتجاه يسير؟ إنه دائما يتجه إلى الإسلام، وإن لم يلتق مع الإسلام فإنه يقرب من الإسلام. وعندما قامت في أوروبا ضجة على الطلاق في الإسلام، ما الذي حدث؟ جاء التشريع بالطلاق في إيطاليا تحت سمع وبصر الفاتيكان. هل شرعوا الطلاق لأن الإسلام أباح الطلاق؟ لا. إنما شرعوه لأن أمور الحياة أخضعتهم إلى ضرورة تشريع الطلاق، فكأنهم أقاموا الدليل بخضوعهم لأمور الحياة على أن ما جاء به الإسلام قبل التجربة كان حقا. بدليل أن أوربا لجأت إلى تشريع الطلاق لا كمسلمين ولكن لأن مصالح حياتهم لا تتأتى إلا به.

وهل هناك ظهور وغلبة أكثر من الدليل الذي يأتي من الخصم؟ تلك هي الغلبة. لقد وصلوا إلى تشريع الطلاق، رغم كراهيتهم للإسلام كدليل على صدق ما جاء به الإسلام. وفي الربا، الذي يريد البعض هنا أن يحلله، تجد أوربا تحاول التخلص منه، لأنهم توصلوا بالتجربة إلى أن المال لا يؤدي وظيفته في الحياة إلا إذا انخفضت الفائدة إلى الصفر أي؟ أنهم عرفوا أن إلغاء الربا ضروري حتى يؤدي المال وظيفته الحقيقية في الحياة، والذي ألجأهم إلى الوصول إلى هذه الحقيقة هو أن فساد الحياة سببه الربا، فأرادوا أن يمنعوا الربا. لقد وصلوا إلى ما بدأ به الإسلام من أربعة عشر قرنا. أتريد غلبة، وتريد فوقا، وتريد ظهورا، أكثر من هذا بالنسبة لدين الله؟

إذن، ففهم الخصوم ما يصلح أمر الحياة اضطرهم إلى الأخذ بمبادئ الإسلام ونتابع بالتأمل قول الحق: {وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة} ، أي أن الحق جاعل الذين ساروا على المنهج الأصيل القادم من الله فوق الذين كفروا.

فالذين يقولون فيك يا عيسى ابن مريم ما لا يقال من ألوهية، هل

<<  <  ج: ص:  >  >>