وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليعرض علينا قضية جدلية حدثت في أيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، حتى يخرج الناس - مسلمين ونصارى ويهودا - من هذه البلبلة، وأن يتم ذلك في مودة، لأنهم كلهم مؤمنون بالعبودية لمعبود واحد. فقد جاء وفد من نصارى نجران إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المدينة، والتقوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكان لهؤلاء القوم جدل مع اليهود، ولهم جدل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كما كان لليهود والنصارى معا جدل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
والجدل بين اليهود والنصارى مصدره أن لليهود والنصارى قولا متضاربا في بعضهم بعضا يرويه لنا الحق:{وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب كَذَلِكَ قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فالله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[البقرة: ١١٣] .
فاليهود يقولون:» كان إبراهيم يهوديا «والنصارى يقولون لا، كان» إبراهيم نصرانيا «وأما الجدل بين النصارى وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فسببه أنهم قد أرادوا ان يتكلموا في مسألة عيسى وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يصفى القضية تصفية نهائية حتى لا تظل معلقة تلوكها الألسنة وتجعلها مثارا للفتن. فلما اجتمع نصارى نجران تحت لواء رؤسائهم، ومن هؤلاء الرؤساء من اسمه السيد، ومنهم من يسمى العاقب صاحب المشورة، ومعهم قسيس، فقال لهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ماذا تقولون في عيسى؟ قالوا: إنه ابن الله. وقال لهم الرسول: إن عيسى عليه السلام قال:» إني عبد الله «وهو عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، فغضبوا وقالوا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ إن كنت قد رأيت مثل ذلك فأخبرنا به.