ولذلك فسيدنا إبراهيم عليه السلام لا يمكن أن يكون يهوديا باعتبار التحريف الذي حدث منهم، أي لا يكون موافقا لهم في عقيدتهم، وكذلك لا يمكن أن يكون نصرانيا للأسباب نفسها، لكنه {كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} أي أنه مائل عن طريق الاعوجاج.
قد يقول قائل: ولماذا لم يقل الله: «إن إبراهيم كان مستقيما» ولماذا جاء بكلمة «حنيفا» التي تدل على العوج؟ ونقول: لو قال: «مستقيما» لظن بعض الناس أنه كان على طريقة أهل زمانه وقد كانوا في عوج وضلال ولهذا يصف الحق إبراهيم بأنه {كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً} وكلمة {مُّسْلِماً} تقتضي «مسلما إليه» وهو الله، أي أنه أسلم زمامه إلى الله، ومُسْلَماً فيه وهو الإيمان بالمنهج.
وعندما أسلم إبراهيم زمامه إلى الله فقد اسلم في كل ما ورد ب «افعل ولا تفعل» وإذا ما طبقنا هذا الاشتقاق على موكب الأنبياء والرسل فسنجد أن آدم عليه السلام كان مسلما، ونوحا عليه السلام كان مسلما، وكل الأنبياء الذين سبقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانوا مسلمين.
كان كل نبي ورسول من موكب الرسل يلقى زمامه في كل شيء إلى مٌسْلَم إليه؛ وهو الله، ويطبق المنهج الذي نزل إليه، وبذلك كان الإسلام وصفا لكل الأنبياء والمؤمنين بكتب سابقة، إلى أن نزل المنهج الكامل الذي اختتمت به رسالة السماء على محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ب «افعل ولا تفعل» ولم يعد هناك أمر جديد يأتي، ولن يشرع أحد إسلاما لله غير ما نزل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
لقد اكتملت الغاية من الإسلام، ونزل المنهج بتمامه من الله. واستقر الإسلام كعقيدة مصفاة، وصار الإسلام علما على الأمة المسلمة، أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهي التي لا يُستدرك عليها لأنها أمة أسلمت لله في كل ما ورد ونزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. لذلك قال الحق:{إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه ... }