إن الحق سبحانه يكشف فعل الماكرين من أهل الكتاب الذين أرادوا إعلان الإيمان أول النهار كلون من «هدى النفس» لكنه من صميم الضلال والإضلال وذريعة له، ولم يكن هدى من الله؛ لأن هدى الله إنما يوصل الإنسان إلى الغاية التي يريدها الله، وهؤلاء البعض من أهل الكتاب أرادوا بالخديعة أن يجعلوا سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دون أتباع يؤمنون بالإسلام؛ لقد تواصي هؤلاء القوم من أهل الكتاب بأن يكتموا اتفاقهم على تمثيل الادعاء بالإيمان وجه النهار والكفر به في آخره، وألا يعلنوا ذلك إلا لأهل ديانتهم حتى لا يفقد المكر هدفه، وهو بلبلة المسلمين.
لقد أخذهم الخوف؛ لأن الناس إن أخذوا بدين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأوتوا مثلما أوتي أهل الكتاب من معرفة بالمنهج، بل إن المنهج الذي جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو المنهج الخاتم، وأهل المكر من أهل الكتاب إنما أرادوا أن يحرموا الناس من الإيمان، أو أنهم خافوا أن يدخل المسلمون معهم في المحاجة في أمر الإيمان، وكان كل ذلك من قلة الفطنة التي تصل إلى حد الغباء.
لماذا؟ لأنهم توهموا أن الله لا يعرف باطن ما كتموا وظاهر ما فعلوا، إنهم تناسوا أن الحق يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتطابق ذلك مع سابق فعلهم عندما خرجوا من مصر، وذهبوا إلى التيه أثناء عبور الصحراء، وادعوا أن الله قال لموسى عليه السلام:«علموا بيوتكم أيها الإسرائيليون، لأني سأنزل وأبطش بالبلاد كلها» . وكأنهم لو لم يضعوا العلامات على البيوت فلن يعرفها الله، إنه كلام خائب للغاية بل هو منتهى الخيبة والضلال، ويبلغ الحق رسوله الكريم:{قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
وما دام الفضل بيد الله فلن تستطيعوا يا أهل المكر بالمسلمين أن تأخذوا أناسا كما تودون، وبعد ذلك تريدون أن تخدعوهم؛ لأن الفضل حين يؤتيه الله لمن آمن به فلن ينزعه إلا الله.
فالحيلة لن تنزع فضل الإيمان بالله مادام قد أعطاه الله، والله واسع بمعنى أنه قادر على إعطاء الفضل لكل الخلق، ولن ينقص ذلك من فضله شيئا، والحق سبحانه عليم بمن يستحق هذا الفضل لأن قلبه مشغول بربه.