إن الحق سبحانه يخاطب النفوس التي يعلمها، فهو يعلم أن دعوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قد نزلت رحمة للناس أجمعين، ويخاطب بها العالم كله بما فيه من أهل الكتاب، وهم الذين يعرفون الآيات والعلامات التي تدل على مجيء رسالة سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ومنهم أناس قد جعلوا دعوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في بؤرة شعورهم ليدرسوها ويؤمنوا بها. ولو أن الله قد جعل الحملة على كل أهل الكتاب، لقال الذين كفروا في الإيمان برسول الله:«كنا نفكر في أن نؤمن، ونحن نريد أن ننفذ تعاليم الله لنا لكن محمدا يشن حملة على كل أهل الكتاب ونحن منهم» .
فساعة يقول الله إن بعضا من أهل الكتاب يتميزون بالأمانة فإن من تراوده فكرة الإسلام يقولون: إن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يتكلم إلا عن نور من ربه، لكن لو عمم القرآن الحكم على الكل، لتساءل الذين ينشغلون برغبة الإيمان بما جاء به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «لماذا يعم الحكم الجميع ونحن نسير في الطريق إلى الإيمان؟» .
ولهذا يضع الحق القول الفصل في أن منهم أناساً يتجهون إلى الإيمان:{لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[آل عمران: ١١٣] .
وفي هذا ما يطمئن الذي شغلوا أنفسهم بدراسة هذا الدين والتفكير في أن يؤمنوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
لو كان القرآن قد نزل بلعنتهم جميعا لقال الذين يفكرون منهم في الإيمان «نحن لسنا كذلك ولا نستحق اللعنة، فلماذا يأتي محمد بلعنتنا؟» .
لذلك نرى القول بأن {وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} العدل المطلق في الإنصاف:
وقد قال بعض المفسرين: إن القرآن يقصد هنا من {أَهْلِ الكتاب} النصارى؛