هذا المبلغ أمانة عندك» فتقول له: نعم سأفعل. وتأخذ المبلغ، إن هذا الفعل يسمى «التحمل» ، وعندما يأتي صاحب المال ليطلبه فهذا اسمه «الأداء» والكل يضمنون أنفسهم وقت التحمل، وقد تكون النية هكذا بالفعل، ولكن المؤمن الحق لا يأمن ظروف الأغيار، فمن المتحمل أنه عندما يأتي صاحب المال ليطلبه من المؤتمَن يجد المؤمن نفسه وقد انشغل بالأغيار، فقد تكون ظروف الحياة قد داهمته مما دفعه ليتصرف في الأمانة أو أن تكون نفسه قد تحركت، وقالت له: وماذا يحدث لو تصرفت في الأمانة؟ إن المؤمن الحق لا يضمن نفسه وقت الأداء، وإن ضمن نفسه وقت التحمل.
إذن يجب أن نلحظ في الأمانة ملحوظتين هما «الأداء» و «التحمل» . والذي يأخذون الأمانة وفي نيتهم أن يؤدوها ضمنوا أنفسهم وقت التحمل، لكنهم لا يضمنون أنفسهم وقت الأداء لذلك فالمؤمن المحتاط يقول لنفسه: ولماذا أعرض نفسي لذلك، فقد يأتي وقت الأداء فلا أستطيع ردّها لصاحبها.
لذلك يقول لصاحب الأمانة: أرجوك ابتعد عني فأنا لن أحمل هذه الأمانة.
إنه خائف من وقت الأداء وذلك ما حدث في أمانة التكليف والاختيار والتي قال عنها الحق سبحانه:{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب: ٧٢] .
إن السماء والأرض والجبال طلبوا ألا يكون لهم اختيار وأن يظلوا مقهورين؛ لأنهم لا يضمنون لحظة الأداء، أما الإنسان فلأنه ظلوم جهول فقد قال:«لا، إنني عاقل وسأرتب الأمور» فالإنسان ظلوم لنفسه، وجهول لأنه لم يعرف ماذا يفعل وقت الأداء.
لذلك نرى هنا القول الحق:{وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} ونجد الأمانة متعدية بالباء، فمعنى الباء - في اللغة - الإلصاق، أي التصق القنطار