إنهم يعرفون أن ما يقولونه هو الكذب، والكذب كما عرفنا هو أن تكون النسبة الكلامية غير مطابقة للواقع، فالنسب في الأحداث تأتي على ثلاث حالات:
نسبة واقعة.
نسبة يفكر فيها وهي نسبة ذهنية.
نسبة ينطق بها.
فعندما نعرف إنسانا اسمه محمد، وهو مجتهد بالفعل فهذه نسبة واقعة وإذا خطر ببالك أن تخبر صديقا لك باجتهاد محمد فهذا الخاطر نسبة ذهنية.
وساعة تنطق بهذا الخبر لصديق لك صارت النسبة كلامية. والصدق هو أن تكون النسبة الكلامية لها واقع متسق معها كأن يقول:«محمد مجتهد» ويكون هناك بالفعل من اسمه محمد وهو مجتهد بالفعل، وبهذا تكون أنت الناطق بخبر اجتهاد محمدٍ إنسانا صادقا، أما إن لم يكن هناك من اسمه محمد ومجتهد فالنسبة الكلامية لا تتفق مع النسبة الواقعية، لذلك يصير الخبر كاذبا. والعلماء يفرقون بين الصدق والكذب بهذا المعيار. فالصدق: هو مطابقة الكلام للواقع، والكذب: هو عدم مطابقة الكلام للواقع.
وحاول بعض من الذين يحبون التشكيك أن يقفوا عند سورة المنافقين التي يقول فيها الحق:{إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ}[المنافقون: ١] .
لقد قال المنافقون: نشهد إنك لرسول الله، وسيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو رسول من عند الله بالفعل، والحق سبحانه يقول:{والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} فهل علمهم كعلم الله؟ لا، لأن الله سبحانه قال:{والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} ، فكيف يصفهم الحق بأنهم كاذبون مع أنهم شهدوا بما شهد هو به؟
إن الحق لا يكذبهم في أن محمدا رسول الله فهذه قضية صادقة، ولكنه سبحانه قد كذبهم في قضية قالوها وهي:{نَشْهَدُ} ، لأن قولهم:{نَشْهَدُ} تعني أن يوافق الكلام المنطوق ما يعتقدونه في قلوبهم، وقولهم:{نَشْهَدُ} هو قول لا يتفق مع ما في