إذن فعندما يشرع لنا الحق أمراً فهو يشرعه لمصلحتنا؛ إنه سبحانه يحب لصنعته أن تظفر بسعادة المنهج؛ لذلك أنزل المنهج «بافعل ولا تفعل» وحين يقول المنهج: «افعل ولا تفعل» فهو لا يريد أن يحدد حرية الحركة على الخلق الا بما يحميهم، إنه يحدد حرية هنا ليحمي حرية هناك. فعندما حرم الله السرقة - على سبيل المثال - فالأمر شامل لكل البشر، فلا يسرق أحدا أحدا.
إن الحق سبحانه حين منع يدَ واحدٍ من السرقة، كان في ذلك منع لملايين الأيدي أن تسرق من هذا الإنسان، وفي هذا حماية لكل البشر من أن يسرق إنسان إنسانا آخر، وفي ذلك كسب لكل إنسان، فساعة تأخذ التشريع لا تأخذه على أنه مطلوب منك، ولكن خذه على أنه مطلوب منك ومطلوب لك أيضا.
ومثال آخر، لقد حرم المنهج على العبد المؤمن أن يمد عينيه إلى محارم غيره، ولم يكن هذا التحريم لعبد واحد، إنما لكل إنسان مؤمن، وبذلك لا تمتد أي عين إلى محارم هذا العبد، لقد جاء الأمر لك بغض البصر عن محارم غيرك وأنت واحد، وكففنا من أجلك ملايين الأبصار كيلا تمتد إلى محارمك.
إذن فكل عبد مؤمن يكسب حياة مطمئنة من وجود التشريع، وكل التشريعات إنما جاءت لصالحنا جميعا، ولذلك كان الحق رحيما بنا لأن رَكْبَ الرسل قد تواصل واستمر في الكون منذ آدم، وإلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والمنهج الذي جاء به كل هؤلاء الرسل لا تناقض فيه أبدا، لأن في هذا المنهج مصلحة للخلق، لذلك فلا يمكن أن يكون موكب رسول قد أتى، ليناقض موكب رسول آخر.
لكن ما الذي يأتي بالتناقض بين الأديان والمشرع واحد؟ وكل الناس عيال له؟
إننا نبرئ الرسل من التناقض، وإن حاول البعض أن يصوروا الأمر كذلك فلنعلم أن أتباع الرسل هم الذين يريدون لأنفسهم سلطة زمنية يتحكمون بها في الدنيا، فالذين كانت لهم سلطة زمنية في دين كاليهودية أو النصرانية فعلوا ذلك.
وعندما جاءت النصرانية على اليهودية قال أحبار اليهود: نحن لا نريد النصرانية لماذا؟ لأن السلطة الزمنية كانت في أيديهم، ولو أن هؤلاء الأحبار ظلوا باقين على