وتاريخه معك، ويصور بخاطرك أيضا صورا عن أهله وأصدقائه، ومعارفه، ويأتي لك تداعى المعاني بالأحداث التي كانت بينك وبينه أو شاهدتها أنت وهذا هو ما نسميه «تداعى المعاني» أي أن المعنى يدعو المعنى.
وحين يخاطب الله سبحانه وتعالى الإنسان، فإنه يخاطب كل ملكة فيه في آن واحد، حتى لا تأخذ ملكة غذاءها، دون ملكة أخرى لا تجد لها غذاء إن كلام الله جاء مستوفيا وكافيا لكل الملكات، ومثال ذلك حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يمنع المشركين من أن يطوفوا بالبيت، وكان المشركون قبل تحريم الله لطوافهم، يطوفون بالبيت، ويأتون من أماكن سحيقة بعيدة ليطوفوا في موسم الحج، وكانوا يأتون بأموالهم لينفقوها على أهل مكة، ويشتروا كل شيء يلزمهم منها، فموسم الحج كان موسما اقتصاديا. وحين يريد الله أن يمنع المشركين من الحج فهو يخاطب المسلمين المقيمين بمكة حتى يحولوا بين المشركين وبين الطواف، وهو سبحانه قد علم - وهو العليم - بما خلق من ملكات، يعلم سبحانه أن ملكة أخرى ستتدخل في هذا الوقت، فيقول:{ياأيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا}[التوبة: ٢٨] .
وعندما ينزل هذا الحكم فلا بد أن تتحرك ملكات في النفس الإنسانية، والحق قد علم أزلا أن ملكة النفعية الاقتصادية عند أهل مكة ستتحرك عند سماع هذا الحكم، بمعنى أن بعضا من المسلمين المقيمين بمكة وقت نزول هذا الحكم قد يقولون: «وإذا كنا نمنع المشركين الذين يفدون علينا بالأموال ليشتروا بضائعنا وموسمهم الاقتصادي هو الذي يعولنا طيلة العام فماذا نصنع إذن؟ إن الله يعلم أنه عند نزول حكم بتحريم البيت على المشركين أن يقربوه فلا بد أن تتحرك في النفس الإنسانية تلك الملكية النفعية، فيقول - سبحانه - عقب ذلك مباشرة:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: ٢٨] .
الخوف من العيلة، أي الخوف من الفقر، وتلك هي عظيمة الكلام الإلهي لأن