إن الذين قالوا ذلك ليسوا من البشر، إذن فكلام الله يؤكد أن الكعبة هي أول بيت وُضع للناس، أي للجنس البشري، ولذلك فلا داعي أن نتكلم في الأشياء التي يقف فيها العقل حتى لا ندخل في متاهة. ولو كان الله قد أراد أن يعلمنا أن الكعبة هي أول بيت في الأرض لقال لنا:«إن أول بيت وضع في الأرض» ، ولم يكن قد حدد الجنس الذي وضع البيت من أجله، لكن الحق سبحانه قال:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} ، ولذلك بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن قبله بيوتا، ولكنه أول بيت وضع للناس. إنه جواب يتسع لكل ما يأتي به العلم.
وحين ننظر إلى القول الحق:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} ما معنى «أول» ؟ إنه الابتداء، وهل كل ابتداء له انتهاء؟ لا، إن هناك أمورا لها «أول» وليس لها «آخر» ومثال ذلك العدد «واحد» وما بعده ليس له آخر، فآخر ما بعد العدد واحد هو ما يمكن الإنسان أن يحسبه عجزا في التقديرات الدشليونية، ولكن ما بعد الدشليون هناك أعداد أخرى، وكان الإنسان قديما يقف عند الألف، ثم يقول عن المليون «ألف ألف» ، وكذلك الجنة لها أول وليس لها آخر.
إذن فأول بيت وضعه الله للناس هو الكعبة. وعندما نرى كلمة «وُضع» نجدها فعلا، ونرى انه قد وُضِع للناس. وما دام هذا البيت قد وضع للناس لذلك فمن اللازم حين تأتي كلمة «ناس» أن يكون هناك «بيت» و «آدم» من الناس، ووالد كل الناس، وكان له بيت وضع له.
وحين يقال: إن البيت قد تم بناؤه قبل آدم فإننا نقول: نعم، لأن آدم من الناس، والله يقول:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس} فلماذا نحرم آدم من أن يكون له بيت عند الله؟ إذن فالبيت موجو من قبل آدم. وبعض الناس تظن أن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى البيت، ولأصحاب هذا الظن نقول: لنفهم القرآن معا، إن مثل هذا القول يناقض القرآن؛ لأن القرآن قد قال:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس} وذلك إيضاح أن إبراهيم كان من قبله أناس سابقون له، فكيف لا يكون للناس من قبل إبراهيم بيت؟ ولا يكون للناس من بعد إبراهيم بيت؟
إن الذين كانوا يعيشون قبل مجيء إبراهيم عليه السلام لهم الحقوق نفسها عند الله التي وضعها الله لمن بعد إبراهيم، فلا بد أن الله قد جعل بيته لهم، والنص القرآني