فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن مرحلة في الخلق لم نشهدها. . ولكن الموت شيء مشهود لنا جميعا. . ومادام مشهودا لنا، يأتي الحق سبحانه وتعالى به كدليل على مراحل الخلق التي لم نشهدها. . فالموت نقض للحياة. . والحياة أخبرنا الله تبارك وتعالى بأطوارها. . ولكنها غيب لم نشهده. .
ولكن الذي خلق قال أنا خلقتك من تراب. . من طين. من حمأ مسنون. من صلصال كالفخار. . فالماء وضع على تراب فأصبح طينا. . والطين تركناه فتغير لونه وأصبح صلصالا. . الصلصال. . جف فأصبح حمأ مسنونا، ثم نحته في صورة إنسان ونفخ الحق سبحانه وتعالى فيه الروح فأصبح بشرا. . ثم يأتي الموت وهو نقض للحياة. . ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه. .
بناء العمارة يبدأ من أسفل إلى أعلى. . وهدمها يبدأ من أعلى إلى أسفل.
. ولذلك فإن آخر مرحلة من رحلة ما. . هي أول خطوة في طريق العودة. . فإذا كنت مسافرا إلى الإسكندرية. . فأول مكان في طريق العودة هو آخر مكان وصلت إليه.
أول شيء يخرج من الجسد هو الروح وهو آخر ما دخل فيه. . ثم بعد ذلك يتصلب الجسد ويصبح كالحمأ المسنون. . ثم يتعفن فيصبح كالصلصال. . ثم يتبخر الماء الذي فيه فيعود ترابا. . وهكذا يكون الموت نقض صورة الحياة. . متفقا مع المراحل التي بينها لنا الحق سبحانه وتعالى. .
وقوله تعالى:{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . . أي أن الله تبارك وتعالى يبعثكم ليحاسبكم. . لقد حاول الكفار والملحدون وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث. . وهم في هذا لم يأتوا بجديد. . بل جاءوا بالكلام نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية الأولى. . واقرأ قوله تعالى عما يقوله أصحاب الجاهلية الأولى:{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر}[الجاثية: ٢٤]
وأمنية الكافر والمسرف على نفسه. . ألا يكون هناك بعث أو حساب. . والذين يتعجبون من ذلك نقول لهم: أن الله سبحانه وتعالى الذي أوجدكم من عدم