وَتُؤْمِنُونَ بالله} . فإن تخلف عنصر من هذه العناصر، انحلت عنكم الخيرية، فالخيرية لكم بأشياء هي: أمر بالمعروف. نهى عن المنكر. إيمان بالله.
وساعة تسمع كلمة «معروف» و «منكر» فإنك تجد أن اللفظ موضوع في المعنى الصحيح، ف «المعروف» هو ما يتعارف الناس عليه ويتفاخرون به، ويَسُرُّ كل إنسان أن يعرف الآخرون عنه. «والمنكر» هو الذي ينكره الناس ويخجلون منه، فمظاهر الخير يحب كل إنسان أن يعرفها الآخرون عنه، ومظاهر الشر ينكرها كل إنسان.
إن مظاهر الخير محبوبة ومحمودة حتى عند المنحرف. فاللص نفسه عندما يوجد في مجلس لا يعرفه فيه أحد، ويسمع أن فلاناً قد سرق فإنه يعلن استنكاره لفعل اللص، إنه أمر منكر، حتى وإن كان هو يفعله. وهكذا تعرف أن «المعروف» و «المنكر» يخضعان لتقدير الفطرة. والفطرة السليمة تأتي للأمور الخيرة، وتجعلها متعارفا عليها بين الناس، وتنكر الفطرة السليمة الأمور المنكرة، حتى ممن يفعلها.
ويورد الله مسألة الإيمان بالله من بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا؟ لأنه من الجائزة أن يوجد إنسان له صفات الأريحية والإنسانية ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويصنع الخير، ويقدم الصدقات، ويقيم مؤسسات رعاية للمحتاجين والعاجزين سواء كانت صحية أو اقتصادية، لكنه يفعل ذلك من زاوية نفسه الإنسانية، لا من زاوية منهج الله، فيكون كل ما يفعله حابطا ولا يُعتَرفُ له بشيء لأنه لم يفعل ذلك في إطار الإيمان بالله، ولذلك فلا تظن أن الذي يصنع الخير دون إيمان بالله؛ فالله يجازي من كان على الإيمان به، وأن يكون الله في بال العبد ساعة يصنع الخير. فمن صنع خيرا من أجل الشهامة والإنسانية والجاه والمركز والسمعة فإنه ينال جزاءه ممن عمل له، ومادام قد صنع ذلك من أجل أن يقال عنه ذلك فقد قيل، وهو ما يبيّنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله: «إن أول الناس يُقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملتَ فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت،