إذن فلا أسروا، ولا أخذوا غنيمة، ولا دخلوا المدينة، ولا ظلوا في أرض المعركة، فكيف تسمي هذا نصراً؟ فلنقل: إن المعركة ماعت. وظل المسلمون في أرض المعركة.
وهنا تتجلّى البطولة الحقة؛ لأننا كما قلنا في حالة النصر يكون الأمر رخاء، حتى من لم يُبْلِ في المعركة بلاءً حسناً ينتهز فرصة النصر ويصول ويجول، ولكن المهزومين والذين أصيب قائدهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وضعف أن يصعد الجبل، حتى أن طلحة بن عبيد الله يطأطئ ظهره لرسول الله ليمتطيه فيصعد على الصخرة.
ورسول الله يسيل منه الدم بعد أن كسرت رباعيته وتأتي حلقتان من حلق المغفر في وجنته، بعد هذا ماذا يكون الأمر؟ حتى لقد أرجف المرجفون وقالوا: إن رسول الله قد قُتل.
وكل هذا هو من التمحيص، فمن يثبت مع هذا، فهو الذي يؤتمن أن يحمل السلاح لنصرة كلمة الله إلى أن تقوم الساعة. ويتفقد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بطلاً من أبطال المسلمين كان حوله فلا يجده، إنه «سعد بن الربيع» .
يقول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟» فقال رجل من الأنصار هو أُبَيُّ بن كعب: فذهبت لأتحسسه، فرأيته وقد طُعن سبعين طعنة ما بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية قوس. فلما رآه قال له: رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك: كيف تجدك - أي كيف حالك -؟
قال سعد بن الربيع: قل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقل للأنصار ليس لكم عند الله عُذر إن خَلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف. ثم فاضت روحه.
انظروا آخر ما كان منه، حين أُثخن في المعركة فلم يقو على أن يحارب