ومن أين جاء هذا الزبد؟ إنه يأتي من الأرض والأرض فيها أشياء كثيرة، كجذور النبات وبقايا ما حمله الهواء وتتخلل هذه الأشياء مسام الأرض، هذه الأشياء عندما توجد في المسام، وتأتي الجذور الصغيرة لتنمو فتعوقها عن أخذ غذائها؛ لذلك فعندما ينزل الحق الماء من السماء فإن الماء يجعل هذه الأشياء تطفو على السطح؛ ليجعل هناك منفذاً للجذور الصغيرة.
وينزل الله المطر ليغسل التربة كلها، ويجعل هذه الأشياء تطفو؛ لأنها غثاء، ويطفو الغثاء. وساعة أن يطفو الغثاء فإياك أن تفهم أن ذلك علو، إنه علو إلى انتهاء، كذلك فورة الباطل.
إياك أنن تظن أن الزَبَد له فائدة، أو أنَّ ارتفاع الريم كان علواً على ما في القدر، لا. إنه تطهيرٌ لما في القدر أو الإناء، ولهذا قال الحق:{فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً} .
وإن لم تذهب آثار الريم بحركة الماء التموجية فإنها ستذهب بطريقة أو بأخرى. ولننظر إلى الأشياء القذرة التي تلقي في البحر نجد أنها بعد مدة قد خرجت إلى الشاطئ. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر: ٣١]
إنها تخرج على الشاطيء ويجمعها المكلفون بتنظيف الشاطئ. وإلا كيف تتم صيانة الماء؟ إنه سبحانه يجعل الماء ينظف نفسه بحركته الذاتية. إذن فالماء عندما ينزل سيلاً، فإنه ينقي التربة من العوائق التي تعوق غذاء الجذيرات الصغيرة، وقد لا يكتفي بعضنا بهذا المثل، فيضرب لنا الله مثلاً آخر:{وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض}