ولكن في قوله:{انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ} فيه انقلاب حسي أيضا، وفيها كذلك انقلاب نفسي، وهو الانصراف عن أصل الدين، ولذلك سيعرفنا الحق أن المنافقين بعد حدوث تلك الواقعة وبعد ما فشا وذاع في الناس قتل الرسول كان لهم كلام، وضعاف الإيمان كان لهم كلام آخر؛ فالمنافقون الذين هم أكثر شرا من الكفار قالوا: لو كان نبيَّا لما قتل، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم.
أما الذي آمنوا إيمانا ضعيفا فقالوا: سنذهب إلى ابن أُبَيّ ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. فيقف أنس بن النضر قائلا: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - أي المنافقون - وأعتذر إليك مما يقول هؤلاء - أي ضعاف الإيمان -.
لقد وزعها بالحق؛ فهو يبرأ إلى الله من قول المنافقين الذين قالوا: إنهم سيعودون إلى دينهم القديم، ويعتذر ويستغفر عن ضِعاف الإيمان. ويقول سبحانه:{وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً} . لماذا؟ لأن الله أزلاً وقبل أن يخلق شيئا من خلقه له كل صفات الكمال، إذن فأي صفة من صفات الكمال لم تطرأ عليه - سبحانه - من خلقه، إنه - سبحانه - أوجد الكون بما فيه الخلق لأنه قادر، وأوجده لأنه حكيم، وأوجده لأنه عالم، إذن فخلق الخلق لم يزد الله صفة من صفاته، فحين خلقكم وصنعكم أعطى لكم المنهج لتكونوا خلقا سويا. إذن فالمصلحة تعود علينا نحن الخلق، فكان يجب أن تنظروا إلى المناهج التي تأتي من الله على أنه لا نفع فيها لله، ولكن النفع فيها عائد عليكم. ولذلك جاءت الآية من بعد ذلك لتقول:{وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} لأن الشكر إنما يؤديه العبد على نعمة، نعمة تمحيص وتعليم وبيان مكانة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ربه. لقد تعلم المؤمنون أن الله يستحق منهم الشكر على هذه النعم.
وبعد ذلك ينتقل بنا الحق إلى قضية عامة، القضية العامة للناس جميعا هي:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ... }