{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} أي بأي رحمة أودعت فيك. ساعة تقول: بأي رحمة فأنت تبهم الأمر، وعندما تُبهم الشيء فكأنه شيء عظيم؛ لأن الشيء يُبهم إما لأنه صغير جدا، وإما لأنه كبير جدا، فالشيء إذا كان كبيرا يكون فوق المستوى الإدراكي، وإذا كان صغيرا جدا يكون دون مستوى الإدراك. ولذلك فالأشياء الضخمة جدا نرى منها جانبا ولا نرى الجانب الآخر، والشيء الدقيق جدا لا نراه، ولذلك يقولون: هذا الشيء نكرة، وذلك يدل مرة على التعظيم ويدل مرة على التحقير، ومرة يدل على التكثير، ومرة يدل على التقليل. فإن نظرت إلى أن الإدراك لا يستوعبه لضخامته إذن فهو كثير، وإن رأيت أن الإدراك لا يستوعبه لِلطفه ودِقَّته، وأنه ليس في متناول البصر يكون قليلا أو دقيقا.
إذن فقول الحق:{فَبِمَا رَحْمَةٍ} أصلها هو: برحمة من الله طُبعت عليها لِنْتَ لهم، و «ما» لماذا جاءت هنا؟ إنك إما أن تأخذها إبهامية. . يعني بأي رحمة فوق مستوى الإدراك، رحمة عظيمة. أو تقول:«فبما رحمة» أي أن «ما» تكون اسما موصولا. وكأن الحق يقول له: فبالرحمة المُودعة من خالقك فيك والتي تُناسب مٌهمتك في الأمة لِنْت لهم، وما دامت تلك طبيعتك فَلِنْ لهم في هذا الأمر واعفُ عنهم واستغفر لهم.
وهذه الآية جاءت عقب أحداث حدثت في أُحد: الحدث الأول: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رأى ألا يخرج إلى قتال قريش خارج المدينة بل يظل في المدينة، فأشار عليه المحبون للشهادة والمحبون للقتال والمحبون للتعويض عما فاتهم من شرف القتال في «بدر» أن يخرج إليهم، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عند رأيهم، ولبس لأمته، فلما أحسوا أنهم أشاروا على رسول الله بما يخالف ما كان قد بدر منه، تراجعوا وقالوا: يا رسول الله إن رأيت ألا نخرج، فقال:
«ما ينبغي لِنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» فما دام قد استعد للحرب انتهى الأمر، هذه أول مسألة وهي مسألة المشورة.
وبعد ذلك تخلف ابن أُبيّ بثُلثُ الجيش وهذه مسألة ثانية، أما المسألة الثالثة فهي مُخالفة الرُماة أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتَرْكهم مواقعهم على الرغم من أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ