هو لا يريد منهم شيئا لنفسه، فعنده النعمة الكافية، هو يريد - فقط - مصلحتهم هم.
إذن فالمكلف لن ينتقع بتكليفنا أبدا، فالتنقية لصالحنا والتطهير لصالحنا والنَّماء لصالحنا - والتزكية هي: تطهير وتنقية ونماء - ولننظر إلى الحالة التي كانت الجاهلية عليها، هل كانت طاهرة؟ هل كانت نقية؟ هل كانت نامية؟ لم يكن بها وصف من تلك الأوصاف، لأنها جاهلية، فكلهم محكومون بالهوى والجبروت والسلطان والقهر، ونعرف أن أول ما يهتم به الإنسان هو أن يستبقى حياته وبعد ذلك يستبقى نوعه، وبعد ذلك يستديم ما حوله، والتزكية شملت كل أمر من هذه الأمور، تزكية في الإنسان نفسه، في ذاته، بدلا من أن يكذب لسانه طهره عن الكذب، بدل أن تمتد عينه إلى محارم غيره طهر عينه من النظر للمحرمات، وبدلا من أن تمتد يده خفية وتسرق فهو لا يفعل ذلك.
والسرقة - كما نعلم حتى عند من يسرق - نقيصة، بدليل أن اللص يتوارى ويحاول أن يسترها وألا يراه أحد، لأنها رذيلة ونقيصة. ويأتي المنهج فيقول له: لا تسرق، ويطهر المنهج حركة جوارح الإنسان في الأرض، ويطهر قلبه من الحقد كي يعيش مرتاحا، وتبقى قوته مصونة للعمل الجاد المثمر، فلِمَ يبدد قوته، ولم يبدد نظراته، ولم يبدد علاقاته بالناس؟
إذن فالمنهج ينمي الإنسان، إنه تطهير وتنقية ونماء له، وبعد ذلك عندما يصاب الإنسان بالعجز وعدم القدرة، فلن يستذله الغير لكي يعطيه لقمة. لقد زكاه المنهج من هذه ونقاه من الذلة وجعل له من مال القادر حقا، والقادر هو الذي يبحث عن الضعيف ليعطيه حقه؛ لأن العاجز عندما يرى كل المؤمنين حوله قادرين يبحثون عنه ليعطوه حقه وليس مجرد صدقة يتصدقون بها عليه حينئذ يقول: أنا لست وحدي في الكون. أنا في الكون بفلان وبفلان، فتكون تنمية له، وما دام الكل يعطيه.
أما عن بقاء النوع فماذا يعني؟ إن الحق يريد طهارة الإنسان والذرية التي تأتي وأن يجعل لها وعاءً شريفا عفيفا، وإطارا لا تشوبه شائبة فجاء المنهج ليزكيكم في كل