ويخرج الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليهم بعدد لايزيد على عدد المقاتلين الذين كانوا يواجهونهم حتى لا يقال إنهم جاءوا بمددٍ إضافي، بل بالعكس، فالذين خرجوا لمطاردة الكفار هم الذين بقوا مع الرسول في أُحد، ونقص منهم من قُتل ونقص منهم أيضا كل من أثقلته جراحه. لقد كانوا أقل ممن كانوا في المعركة، وكأن الله يريد أن يبين لنا أن التمحيص قد أدى مطلوبه.
هم في هذه الحالة استجابوا للرسول، كأن المسألة جاءت رد اعتبار لمن شهدوا المعركة؛ حتى لا يضعفوا أمام نفوسهم؛ وحتى لا يجعلوها زلة تطاردهم وتلاحقهم في تاريخهم الطويل، بل يعلمون أن معركة أُحد قد انتهت وعرفوا آثارها.
وبمجرد أذن مؤذن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالنداء السابق استجابوا جميعا، ولم يُسمح إلا لجابر بن عبد الله أن يكون إضافة لهم؛ لأنه أبدى العذر في أنه لم يكن مع القوم؛ لأن له أخوات سبعاً من البنات وأمره أبوه أن يمكث مع أخواته لرعايتهن، فسمح له رسول الله.
- وكما قلنا - فإن الله أراد بكل أحداث أُحُدٍ أن يُعيد ترتيب الذرات الإيمانية، وما دامت الذرات الإيمانية قد انتظمت فقد تم إصلاح جهاز الاستقبال عن الله، وفي لحظة واحدة يستجيبون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أنهم يلاحقون الكفار، وذهبوا إلى حمراء الأسد وكان ما كان. وبعد ذلك أرسل الله لهم من جنوده من يُخَذِّلُ هؤلاء القوم الكافرين، ويقول لهم: إن محمدا قد خرج إليكم بجيش كبير.
ونلحظ أن الحق سبحانه يجيء هنا بقوله:{الذين استجابوا} وهي تقابل «من خالفوا» أمر رسول الله وهم الرماة، {الذين استجابوا للَّهِ والرسول مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ القرح} .
لقد استجابوا وهم مُرهقون ومُتألمون ومثخنون بالجراح؛ فكل واحد منهم قد