أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدْخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» .
إذن، فلا الإيمان من البشر يزيد الله شيئاً، ولا الكفر ينقص من الله شيئاً؛ لأن الإنسان قد طرأ على ملك الله، ولم يأت الإنسان في ملك الله بشيء زائد، فالإنسان صنعة الله وخلقه من عناصر ملكه - جلت قدرته - ويستمر الحديث في توضيح أنَّ الحق سبحانه لا يعالج شيئاً بيديه فيأخذ منه زمناً. لا، إنه سبحانه جلّت مشيئته يقول للشيء: كُن؛ فيكون.
وكلمة «كُن» نفسها هي أقصر أمر. إنّ أمره ألطف وأدق من أن يدركه على حقيقته مخلوق. لكن الحق يأتي لنا بالصورة الخفيفة التي تجعل بشريتنا تفهم الأمر. فالذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّو الله شيئاً ولهم عذاب أليم. فهم لن يعيشوا بِنَجْوَةٍ وبُعد عن العذاب، بل سيكون لهم العذاب الأليم.
ونحن نجد أن الحق يقول مرة في وصف مثوى الكافرين إنه عذاب أليم، ومرة أخرى لهم عذاب عظيم ومرة عذاب مهين، لماذا؟
لأن العذاب له جهات متعددة، فقد يُوجد عذابٌ مؤلم، ولكن المُعَّذب يتجلد أمام من يُعذبّه ويُظهر أنه ما زال يملك بقيّة من جَلَد، إنه يتألم لكنه يستكبر على الألم، ولذلك قال الشاعر:
وتجلّدي للشامتين أُريهمو ... أني لِرَيْب الدهر لا أتضعضعُ