والحق سبحانه يقول:{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ} و «يحسَبَنَّ» هي فعل مضارع، والماضي بالنسبة له هو «حسِب» - بكسر السين - ولذلك قال الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم:{أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}[العنكبوت: ٢]
إن الماضي هو «حَسِبَ» - بكسر السين - والمضارع «يحسَب» - بفتح السين -. أما حَسَبَ «يحسِب» - بكسر السين - في المضارع وفتحها في الماضي فهي من الحساب والعدد، وهو عدد رقمي مضبوط.
أمر «حَسِبَ» و «يحسَب» فتأتي بمعنى الظن، والظن كما نعرف أمر وهمي، والحق سبحانه يذكرهم أن ظنونهم بأن بقاء حياتهم هو خير لهم ليست حقاً. بل هي حدس وتخمين لا يرقى إلى اليقين.
صحيح أن العمر محسوب بالسنوات؛ لأن العمر طرف للأحداث، والعمر بذاته - مجرداً عن الأحداث - لا يقال إن إطالته خير أو شر، وإنما يقال: إن العمر خير أو شر بالأحداث التي وقعت فيه، والأحداث التي تقع من الكافر تقع على غير منهج إيماني فلا بد أن تكون شراً، حتى ولو فعل ما ظاهره أنه خير فإنه يفعله مضارة لمنهج الله. فلو كانت المسألة بالعملية الرقمية؛ لقلنا:«حسَب» و «يحسِب» - بفتح السين في الماضي وكسر السين في المضارع - لكن هي مسألة وهمية ظنية؛ لذلك نقول «يحسَب» - بفتح السين في المضارع - أي يظن.
وهو سبحانه يقول:{إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} ما الإملاء؟ الإملاء هو تمديد الوقت وإطالته. ولذلك نجد في القرآن:{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي ياإبراهيم لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهجرني مَلِيّاً}[مريم: ٤٦]
إنه يأمر سيدنا إبراهيم أن يهجره مدة طويلة. هذا هو معنى {واهجرني مَلِيّاً} .
والمقصود هنا أن إطالة أعمارهم بعد أن أفلتوا من سيوف المؤمنين. ليست خيراً لهم ولا يصح أن يظنوا أنها خير لهم، لأن الله إنما يملي لهم؛ {ليزدادوا إِثْمَاً وَلَهْمُ