مع المؤمنين. أكان الله يترك الأمر مختلطاً هكذا، ولا يُظهر المنافقين بأحداث تبين مواقعهم الحقة من الإيمان؟ لا، إنه سبحانه وتعالى لا يقبل ذلك؛ حتى لا يظل المنافقون دسيسة في صفوف المؤمنين. وكان لا بد أن تأتي الأحداث لتكشفهم. وجاءت أحداث أُحُد لتهيج الصف المنسوب إلى الإيمان، وتفرزه ليتميز الخبيث من الطيب، مصداقاً لقوله الحق:{فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض}[الرعد: ١٧]
إذن كانت أحداث أُحُد ضرورية.
وقوله الحق:{مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين} مقصود بها أن الله لم يكن ليدع المؤمنين ويتركهم عرضة لاختلاط المنافقين بهم بدون أن يتميز المنافقون بشيء من الأشياء، حتى لا تظل المسألة مقصورة على ما يٌعلمه الله لرسوله من أمر المنافقين. فلو علم الله رسوله فقط بأمر المنافقين، ولو أعلن الرسول ذلك للمؤمنين دون اختبار واقعي للمنافقين لكان ذلك مجرد تشخيص نظري للنفاق يأتي من جهة واحدة، وأراد الله أن تأتي حادثة واضحة وتجربة معملية واقعية تبين وتظهر الواقع، وحتى ينكشف المنافقون، وحتى لا يعترض أحد منهم عندما يوصف بأنه منافق، وحتى لا يكون هذا الوصف مجرد كلام من الخصم، بل بفعل ارتكبوه هم عملياً، وبذلك تكون الحجة قوية للغاية.
لقد كان المنافقون أسبق الناس إلى الصفوف الأولى في الصلاة؛ لأن كل منافق منهم أراد أن يَحبك مسألة نفاقه، ويُواريه، فيحرص على ما يندفع المؤمنون إليه، والمنافق كان يعرف أن المؤمنين يتسابقون إلى الصلاة، فهو يسارع ليكون في الصف الأول من الصلاة. ويخبر الله سبحانه وتعالى رسوله:{وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٠]