ولذلك فلنترك المستقبل إلى أن يقع. لماذا؟ حتى لا يحيا الواحد منا في الهم والحزن قبل أن يقع. إذن فقول الحق:{وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب} هو سنة من الله لأن نظام الملك ينتظم بها ويحتاج إليها.
فكل إنسان له هزات مع نفسه، وقد تأتي له فترة يضعف فيها في شيء من الأشياء، فإذا ما عرف الغير منطقة الضعف في إنسان ما، وعرف هذا الإنسان منطقة الضعف في أخيه، فلسوف يبدو كل الناس في نظر بعضهم بعضا ضعافاً. ومن فضل الله أن أخفى غيب الناس عن الناس. وجعل الله إنساناً ما قوياً فيما لا نعلم، وذلك قويَّا فيما لا نعلم، وبذلك تسير حركة الحياة بانتظامها الذي أراده الله.
{وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} والحق يجتبي من الرسل، أي بعضاً من الرسل - لا كل الرسل - ليطلعهم على الغيب حتى يعطي لهم الأمان بأنهم موصولون بمن أرسلهم، فهو سبحانه لم يرسلهم ليتخلّى عنهم، لا، إنهم موصولون به؛ لذلك يطلعهم على الغيب، وقلنا: إن الغيب أنواع: فمطلق الغيب: هو ما غاب عنك وعن غيرك.
ولكنَّ هناك غيباً غائباً عنك وهو معلوم لغيرك، وهذا ليس غيباً.
مثال ذلك إن ضاعت من أحدكم حافظة نقوده، وسارقها غيب، ومكانها غيب عن صاحبها، لكن الذي سرقها عارف بمكانها، إذن فهذا غيب على المسروق، ولكنه ليس غيباً على السارق. لأنه ليس غيباً مطلقاً، وهذا ما يضحك به الدجالون على السذج من الناس، فبعض من الدجالين والمشعوذين قد يتصلون بالشيطان أو الجن؛ ويقول للمسروق حكاية ما عن الشيء الذي سُرق منه هؤلاء المشعوذون لا يعرفون الغيب؛ لأن الغيب المطلق هو الذي لا يعلمه أحد، فقد استأثر به الله لنفسه.
ومثال آخر: الأشياء الابتكارية التي يكتشفها البشر في الكون، وكانت سراً ولكن الله كشف لهم تلك الأشياء، وقد يتم اكتشافها على يد كفار أيضاً. فهل قال