الخاتمة، فهم طلبوا أن تكون المعجزة بالمحسّات حتى يصنعوا لأنفسهم شبه عذر في أنهم لم يؤمنوا، فقالوا ما أورده القرآن:
{الذين قالوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِيَنَا} . . إلخ.
وعلمنا الحق في هذه الآية أن القربان تأكله النار، ومن هذا نستنبط كيف تقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، لكي نفهم أن القرآن لا يوجد به أمر مكرر. والحق سبحانه يرينا ردوده الإلهية المقنعة الممتعة:
لقد جائكم رسل قبل رسول الله بالقربان وأكلته النار ومع ذلك كفرتم. فلو كان كلامكم أيها اليهود صحيحاً، لكنتم آمنتم بالرسل الذين جاءوكم بالقربان الذي أكلته النار. وهكذا يكشف لنا الحق أنهم يكذبون على أنفسهم ويكذبون على رسول الله، وأنها مجرد «مماحكات» ولجاج وتمادٍ في المنازعة والخصومة.
هو سبحانه يريد أن يضع لنا قضية توضح أن عهد المعجزات الحسيّة وحدها قد انتهى، ورُشد الإنسانية وبلوغ العقل مرتبة الكمال قد بدأ؛ لذلك أتى سبحانه يآية عقلية لتظلّ مع المنهج إلى أن تقوم الساعة. ولو كانت الآية حسيّة لاقتصرت على المعاصر الذي شهدها وتركت من يأتي بعده بغير معجزة ولا برهان. أما مجيء المعجزة عقلية فيستطيع أي واحد مؤمن في عصرنا أن يقول: سيدنا محمد رسول الله وتلك معجزته. ولكن لو كانت المعجزة حسيّة وكانت قربانا ً تأكله النار، فما الذي يصير إليه المؤمن ويستند إليه من بعد ذلك العصر؟
إن الحق يريد أن يعلمنا أن الذي يأتي بالآيات هو سبحانه، وسبحانه لا يأتي بالآيات على وفق أمزجة البشر، ولكنه يأتي بالآيات التي تثبت الدليل؛ لذلك فليس للبشر أن يقترحوا الآية. هو سبحانه الذي يأتي بالآية، وفيها الدليل. لماذا؟