وعندما نقول:«جاءني فلان بكذا» فقد يكون هو الذي أحضره، وقد يكون هو مجرد مصاحب لمن جاء به.
ولنضرب هذا المثل للإيضاح - ولله المثل الأعلى - فلنفترض أن موظفاً أرسله رئيسه بمظروف إلى إنسان آخر، فالموظف هو المصاحب للمظروف.
إذن فالبينات جاءت من الله، لكن هؤلاء الرسل جاءوا مصاحبين ومؤيِّدين بالبينات كي تكون حُجة لهم على صدق بلاغهم عن الله، {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بالبينات} . أي جاءوا بالآيات الواضحة الدلالة على المراد. والآيات قد تكون لفتاً للآيات الكونية، وقد تكون المعجزات.
ونعلم أن كل رسول من رسل الذين سبقوا سيدنا رسول الله كانت معجزتهم منفصلة عن منهجهم، فالمعجزة شيء وكتاب المنهج شيء آخر. «صحف إبراهيم» فيها المنهج لكنها ليست هي المعجزة؛ فالمعجزة هي الإحراق بالنار والنجاة، وموسى عليه السلام معجزته العصا وتنقلب حية، وانفلاق البحر، لكن كتاب منهجه هو «التوراة» ، وعيسى عليه السلام كتاب منهجه «الإنجيل» ومعجزته العلاج وإحياء الموتى بإذن الله، إذن فقد كانت المعجزة منفصلة عن المنهج، إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ فإن معجزته القرآن، ومنهجه في القرآن، لماذا؟
لأنه جاء رسولاً يحمل المنهج المكتمل وهو القرآن الكريم، ومع ذلك فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الرسول الخاتم، فلا بد أن تظل المعجزة مع المنهج؛ كي تكون حُجة، إذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{جَآءُوا بالبينات} : أي المعجزات الدالات على صدقهم.
{والزبر والكتاب المنير} أي الكتب التي جاءت بالمنهج، فهم يحتاجون إلى أمرين اثنين: منهج ومعجزة.
و «البينات» هي المعجزة أي الأمور البينة من عند الله وليست من عند أي واحد